منتدى رفيـــــــــــــــــــدة و محـــــمــد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زائرنا العزيز نرجو أن تستفيد من زيارتك لنا
مع عدم الالتفات الى الإعلانات لانها موضوعة بدون رغبة صاحب المنتدى (الاستاذ تامر عنتر )

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى رفيـــــــــــــــــــدة و محـــــمــد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زائرنا العزيز نرجو أن تستفيد من زيارتك لنا
مع عدم الالتفات الى الإعلانات لانها موضوعة بدون رغبة صاحب المنتدى (الاستاذ تامر عنتر )

منتدى رفيـــــــــــــــــــدة و محـــــمــد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الخير كل الخير فى اتباع من سلف والشر كل الشر فى ابتداع من خلف

لكى تعرف صحة أو ضعف أى حديث أدخل على الرابطhttp://www.dorar.net/
أهلا وسهلا بالامورة نورهان نورتى المنتدى

2 مشترك

    الإيمان بالله جل جلاله

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 101
    نقاط : 314
    تاريخ التسجيل : 01/11/2010
    العمر : 42

    الإيمان بالله جل جلاله  Empty الإيمان بالله جل جلاله

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء نوفمبر 17, 2010 11:38 am

    الإيمان بالله
    جل جلاله

    قال تعالى: " وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" ( التغابن ، آية : 11)

    د. علي محمد محمد الصلابي


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الإهداء

    إلى كل إنسان في الوجود يبحث عن الطريق لمعرفة الله، والإيمان به وتحقيق عبوديته الشاملة على المنهج الصحيح أهدي هذا الكتاب سائلاً المولى عز وجلّ بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يكون خالصاً لوجه الكريم.
    قال تعالى:" فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" (الكهف ، آية : 110).

    د. علي محمد محمد الصلابي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقدمة
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" (آل عمران ، آية : 102).
    " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" (النساء ، آية : 1).
    " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" (الأحزاب ، آية : 70، 71).
    يا رب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضى.
    أما بعد:
    هذا الكتاب يتحدث عن الخالق العظيم والرازق الكريم، الفعّال لما يريد، الكريم المنان، الواسع العليم، الذي رأيت من خلال مسيرتي في عالم التاريخ عظمته في الحياة، وفي قيام الدول وزوالها، وانتشار الحضارات وإندثارها، وعز الحكومات وإذلالها وقصص الناس ، وفي مخلوقاته العجيبة الغريبة وفي هذا الكون الفسيح وحركة التاريخ.
    هذا الكتاب إنما كان نتاج هذه المسيرة، بل إحدى ثمارها حيث وجدت أن الذين أمنوا بالله العظيم واتبعوا رسوله الكريم هدى الله قلوبهم بل زادها إيمانا ، لقد عرفوا ربهم وعلموا أن الله هو التواب الرحيم ذو الفضل العظيم، العزيز الحكيم الذي ابتلى إبراهيم بكلمات، وسمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحيى هادياً مهدياً، وحنّاناً من لدنه وكان تقيا.
    الله الذي أزال الكرب عن أيوب وألان الحديد لداود وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورفع إليه عيسى، ونجّا هوداً وأهلك قومه، ونجّا صالحاً من الظالمين فأصبح قومه في دارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وفداء إسماعيل بذبح عظيم، وجعل عيسى وأمه آية للعالمين.
    الله الذي أغرق فرعون وقومه ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلقه آية، وخسف بقارون وداره الأرض، ونجّا يوسف من غيابت الجب وجعله على خزائن الأرض، ونصر نوحاً على القوم الكافرين ونجّاه وأهله من الكرب العظيم.
    الله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأوجد وأبلى، ورفع وخفض، وأعز وأذل، وأعطى ومنع.
    هدى نوحاً وأضل ابنه، واختار ابراهيم وأبعد أباه، وأنقذ لوطاً وأهلك امرأته، ولعن فرعون وهدى زوجته، واصطفى محمد ومقت عمه وجعل من أنصار دعوته أبناء ألد خصومه، كخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل، فسبحانه عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته .
    الله جلّ وعلا الذي جمع في هذا الوجود بين الكمال والجمال وعنصر الجمال في هذا الكون مقصوداً قصداً، جمال مقصود وكمال بلا حدود، فرؤية الجمال على حقيقته لا تكون إلا حينما ينظر القلب بنور الله، فتتكشف له الأشياء عن جوهرها الجميلة وروائعها البديعة، ويتذكر الله كلما وقعت عينه أو حسه على شيء بديع، أو منظر حسن، فيحسن بالصلة ويشعر بالترابط بين المبدع وما أبدع والجميل وما جمّل والمحسن وما أحسن، ويرى من وراء هذا الجمال جمال الله وجلاله وكماله والقرآن الكريم يوقظ القلوب لتتبع مواضع الحسن وآيات الجمال في هذا الكون البديع " فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (المؤمنون ، آية : 14)، "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ" (السجدة ، آية : 7)، وقال تعالى:" أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ" (ق ، آية : 6).
    وتأمل كلمة" أَفَلَمْ يَنظُرُوا" إنه استفهام استنكاري لأولئك الذين لهم أعين لا يبصرون بها، وقلوب لا يفقهون بها، ولا يرون ذلك الجمال الساحر، والإبداع الأخاذ والحسن الجذّاب الذي يدل على رب العباد، ولذلك يكثر في القرآن الكريم الأمر بالنظر لأخذ العبرة، وللإحساس بالجمال:
    قال تعالى:" أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ" (الأعراف ، آية : 185).
    وقال تعالى:" فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (الروم ، آية : 50).
    وقال تعالى:" قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (العنكبوت ، آية : 20).
    قال تعالى:" فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا* وَعِنَبًا وَقَضْبًا* وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا* وَحَدَائِقَ غُلْبًا* وَفَاكِهَةً وَأَبًّا* مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" (عبس ، آية : 24ـ 32).
    وقال تعالى:" قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" (يونس ، آية : 101).
    فأين الأعين الناظرة، والقلوب المبصرة، والأذهان المتوقدة، والفطرة السليمة، والمشاعر الحية، والأحاسيس المرهفة؟ يا الله ما أروع هذا الكون وما أجمل هذا الوجود، إن المتأمل فيه يبهر بجماله، وروعة نظامه وعظمة إحكامه كل شيء فيه جميل ليله ونهاره، صبحه ومساؤه، أرضه وسماؤه، بدره وشمسه، حرّه وبرده، غيمه وصحوه، أخضره وأغبره، جباله وتلاله ، سهوله ووديانه، بره وبحره، كل شيء جميل، وكل شيء بديع وكل شيء متقن، وكل شيء متناسق وكل شيء منتظم، وكل شيء بقدر، وكل شيء بإحكام، من الذرة الصغيرة إلى الجرم الكبير، ومن الخلية الساذجة إلى أعقد الأجسام.
    أنظر إلى الإنسان وروعة خلقه، وتباين أجناسه وتعدد لغاته وإختلاف نغماته، فهو جلّ وعلا قد أحسن كل شيء خلقه ومن أحسن مخلوقاته وأجملها الإنسان" وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" (التغابن ، آية : 3)، " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ" (الإنفطار ، آية : 6ـ Cool، قال تعالى:" لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" (التين ، آية : 4).
    أنظر إلى السماء وهيبتها والنجوم وفتنتها، والشمس وحسنها، والكواكب وروعتها، والبدر وإشراقه، والفضاء ورحابته، تأمل في السماء في ليلة حالكة وقد انتشرت فيها الكواكب وبثت فيها النجوم.
    أنظر إلى الأرض كيف دحاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها، هذه البحار، هذه الأنهار، هذا الليل، هذا الصبح، هذا الضياء، هذه الظلال، هذه السحب، هذا التناغم الساري في الوجود كله، هذا التناسق هذه الزهرة، هذه الوردة هذه الثمرة اليانعة، هذا اللبن السائغ، هذا الشهد المذاب، هذه النخلة هذه النحلة، هذه النملة هذه الدويبة الصغيرة المجهزة بالأرجل أو الشعيرات أو الملامسة والمرونة لتشق طريقها وتتعامل مع واقعها، هذه السمكة، هذا الطائر المغرد، والبلبل الشادي هذه الزاحفة، هذا الحيوان جمال لا ينفذ، وحسن لا ينتهي وقرة عين لا تنقطع ، " فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ* وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ* يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ " (الروم ، آية : 17ـ 19).
    الله سبحانه إله واحد ليس له شريك، وليس له مثيل في ذاته أو صفاته أو أفعاله كل ما في الكون من إبداع ونظام وانسجام يدل على أن مبدعه ومدبره واحد ولو كان وراء هذا الكون أكثر من مدبر وأكثر من منظم لأختل نظامه، واضطربت سننه " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الأنبياء ، آية : 22).
    وليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عبّاد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون، بل التوحيد يتضمن، من محبة الله والخضوع له والذل له، وكمال الإنقياد لطاعته وإخلاص العبادة له وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال والمنع والعطاء والحب والبغض وهو واحد سبحانه في ألوهيته فلا يستحق العبادة إلا هو ولا يجوز التوجه بخوف أو رجاء إلا إليه لا خشية إلا منه، ولا ذل إلا إليه، ولا طمع إلا في رحمته، ولا إعتماد إلا عليه ولا إنقياد إلا لحكمه .
    الله كل الخلق مفتقرون إليه، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (فاطر ، آية : 15).
    قد يعطي الإنسان أموالاً وقد يمنح عقاراً، وقد يرزق عيالاً وقد يوهب جاهاً، وقد ينال منصباً عظيماً أو مركزاً كريماً أو زعامة عريضة، أو رياسة مكينة، قد يحف به الخدم ويحيط به الجند، وتحرسه الجيوش، ويرضخ له الناس وتذل له الرؤوس، وتدين له الشعوب ولكنه مع ذلك فقير إلى الله محتاج إلى مولاه .
    الله، أسعد عباده بكتابه، وأبهج قلوبهم بكلامهم وأنار بصائرهم بقراءته، أكثرهم قراءة له من أشدّهم تعظيماً له، وأقربهم منزلة منه، أقربهم من كلامه، أقرؤهم لوحيه كلام معجز، وقرآن مبهج، وحبل متين، ونور مبين ينطق بالعظمة ويهتف بالإبداع، ويصدح بالألوهية يشهد للربوبية .
    قال تعالى:" اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" (الزمر ، آية : 23).
    وجود الله جلّ وعلا أمر ثابت في الأنفس، متمكن في الفطر، مزروع في الأذهان، مغروس في الأفئدة لا يحتاج إلى دليل ولا يتطلب إثبات، ولا يفتقر إلى تأكيد.
    وليس يصح في الأذهان شيء
    إذا احتاج النهار إلى دليل
    ولكن بعض ذوي الفطر المنكوسة والأنفس المريضة، والعقليات المتعنتة قد يجادلون في ذلك مع أنه مغروس في حقيقة ضمائرهم " وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ" (النمل ، آية : 14).
    وجاء القرآن الكريم مزدهراً بآيات تنطق بالعظمة وتشهد بالربوبية، تسُر أنفس الواثقين، وتدحض مزاعم المارقين " أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" (الطور ، آية : 35).
    وقد تعرض أنبياء الله وأمناء الوحي وحملة الدعوة ومصابيح الدجى وأنصار التوحيد، تعرضوا لعدد من المتعنتين على مرّ العصور مع اختلاف في طبقاتهم وتباين في تفنناتهم إلا أن بعضهم وصل به الأمر أن ادعى أنه رب العالمين فأيد الله أولياءه بحجج قاهرة ودلائل باهرة وأدلة قاصمة، وصواعق مرسلة تدمر أباطيلهم وتنسف إفتراءاتهم وتزلزل كياناتهم وتظهر سخف عقولهم وقلة فهمهم وانحطاط أمانيهم.
    فهذا إبراهيم عليه السلام يحاور النمرود الذي طغى وتجبر وعتا وتكبر وادعى الربوبية من دون المولى عز وجل، قال تعالى:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (البقرة ، آية : 258).
    فحينما أدلى إبراهيم بالدليل الأول على وجود الله تعالى وربوبيته فقال " رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ" قال النمرود: وأنا أحيي وأميت أي أنه إذا أتى بالرجلين قد تحتم قتلهما فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر فكأنه قد أحياه وأمات الآخر، وهذه حجة واهية ورد سخيف، ولكن إبراهيم عليه السلام، تدرج معه في المحاجة فأتاه بالضربة القاضية والحجة الدامغة فقال:" فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ" : أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيّرها وقاهرها وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء، فإن كنت كما زعمت أنك تحيي وتميت فأت بهذه الشمس من المغرب، فإن الذي يحيي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء، ودان له كل شيء، فإن كنت كما تزعم فأفعل هذا فإن لم تفعله فلست كما زعمت وأنت تعلم وكل أحد انك لا تقدر على هذا ولم يبق للنمرود كلام يجيب فيه الخليل عليه الصلاة والسلام ، ولهذا قال تعالى:" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".
    وقال الشاعر:
    فيا عجباً كيف يعصي الإله
    أم كيف يجحده الجاحد
    والله في كل تحريكة
    وفي كل تسكينة شاهد
    وفي كل شيء له آية
    تدل على أنه واحد
    وما أجمل هذه الأبيات الرائعة التي قالها الشاعر إبراهيم بريول ـ رحمه الله:
    إني أويت لكل مأوى في الحياة
    فما رأيت أعز من مأواكا
    وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة
    فلم تجد منجي سوى منجاكا
    وبحثت عن سِرّ السعادة جاهداً
    فوجدت هذا السر في تقواكا
    فليرضى عني الناس أو فليسخطوا
    أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
    أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي
    وتعينني وتمدني بهداكا
    فأقبل دعائي واستجب لرجائي
    ما خاب يوماً من دعا ورجاكا
    إلى أن قال:
    يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي
    بالله جلّ جلاله أغراكا
    فأسجد لمولاك القدير فإنما
    لابد يوماً تنتهي دنياك
    وتكون في يوم القيامة ماثلاً
    تجزى بما قد قدّمته يداكا
    إن حقائق الإسلام ثابتة لا تتغير منذ أنزلت على رسول الله صلى اله عليه وسلم إلى قيام الساعة، المرجع فيها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن علماء الأمة في كل جيل ـ وطلاب العلم فيها ـ يتناولونها بالشرح والتفسير من خلال الواقع الذي يعيشه كل جيل، وما جدّ فيه من نوازل وما حدث فيه من انحراف في الفهم أو السلوك، وإن جيلنا الذي نعيش فيه لهو من أحوج الأجيال إلى التعرف على حقائق دينه وخصوصاً اركان الإيمان الستة وهذا الكتاب الذي بين يدي القارئ يتناول الركن الأول ((الإيمان بالله عز وجل)) وستلحقه بإذن الله تعالى دراسات أخرى في أركان الإيمان الستة، والأخلاق والتربية الروحية، والسنن الإلهية، ومقاصد الشريعة والسياسة الشرعية، وعلم المصالح والمفاسد وغيرها من الدراسات المنهجية الهادفة إلى المساهمة في نهضة الأمة وانطلاقتها الحضارية الجديدة المرتقبة.
    هذا وقد قسمت هذا الكتاب إلى مباحث:
    المبحث الأول: معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله وبينت فضل لا إله إلا الله، وأنها أفضل الذكر وتحدثت عن شروطها، كالعلم، واليقين والقبول والانقياد والصدق، والإخلاص والمحبة وارتباطها بالولاء والبراء وآثار الإقرار بهذه الكلمة في حياتنا.
    وفي المبحث الثاني والثالث: تكلمت عن إثبات وجود الخالق، وتوحيد الربوبية وأشرت لدليل الخلق، ودليل الفطرة والعهد، ودليل الآفاق ودليل الأنفس، ودليل الهداية، ودليل انتظام الكون وعدم فساده ودليل التقدير ودليل التسوية، التي جاءت في القرآن الكريم.
    ووضحت في المبحث والرابع والخامس: توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الالوهية وتكلمت عن علاقة تحكيم الشريعة بالتوحيد، والآثار الحسنة للحكم بما أنزل الله، كالإستخلاف والتمكين والأمن والاستقرار والنصر والفتح والعز والشرف، وبركة العيش ورغده والهداية والتثبيت والفلاح والفوز والمغفرة وتكفير السيئات، ومرافقة النبيين والصِّدِّقين، كما وقفت مع الآثار السيئة للحكم بغير ما أنزل الله، كقسوة القلب والضلال عن الحق، والوقوع في النفاق والحرمان من التوبة، والصدّ عن سبيل الله، وغياب الأمن وانتشار الفوضى وانتشار العداوة والبغضاء، والحرمان من النصر والتمكين، وهول العقاب الذي ينتظر المبدلين لشرعه، والإهانة عند قبض الأرواح والأكل من النار وغضب الجبار والعذاب المهين، وتكلمت عن جهود النبي صلى الله عليه وسلم في حماية توحيد الألوهية، كالنهي عن الغلو والإطراء، لشخصه الكريم، وكيفية التعامل مع الرقي والتمائم ونهيه عن الكهانة... الخ
    أما في المبحث السادس: كان الحديث عن الإيمان، واخترت كلمة الإيمان بدلاً من العقيدة واستخدمتها في كتابي تماشياً مع العرض القرآني الذي عرض مقررات الإيمان، وخصائصه ضمن المصطلح اللطيف والكلمة الحبيبة ((الإيمان)) ولا شك أن العودة إلى تعبير القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام أنفع وأولى مع جواز المصطلحات الأخرى، فكلمة الإيمان أرقى معنى وأشف ظلاً وأحل على المقصود من الكلمات الأخرى، فهي تشيع في الأجواء عندما تكتب أو تنطق معاني الأمن والثقة وتلقي ظلال الطمأنينة واليقين وتوحي بمعاني الإلزام والتصديق والخضوع وتطلق إيحاءات الثبات والدوام والمتانة والحيوية وكلمة العقيدة لا تتضمن كل هذا كما أنني بينت الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان والأسس التي يقوم عليها الإيمان بالله عز وجل وشرحت بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن الإيمان، كزينة الإيمان، ونور الإيمان، وروح الإيمان، ولخصت في هذا الكتاب أهم أسباب قوة الإيمان مثل:
    1 ـ معرفة أسماء الله الحسنى.
    2 ـ تدبر القرآن على وجه العموم.
    3 ـ معرفة النبي صلى الله عليه وسلم.
    4 ـ التفكير في الكون والنظر في الأنفس.
    5 ـ الإكثار من ذكر الله في كل وقت.
    6 ـ معرفة محاسن الدين.
    7 ـ الاجتهاد في التحقق من مقام الإحسان.
    8 ـ الدعوة إلى الله.
    9 ـ توطين النفس على مقاومة ما ينافي الإيمان.
    10 ـ معرفة حقيقة الدنيا واعتبارها ممر للآخرة.
    وعرضت بعض صفات المؤمنين التي جاءت في القرآن الكريم، وشرحتها وبينت أهميتها وركزت على أهم فوائد الإيمان وثمراته، كالاغتباط بولاية الله الخاصة ودفاع الله عن المؤمنين والفوز برضا الله، وحصول البشارة بكرامة الله، حصول الفلاح والهدى، الانتفاع بالمواعظ والتذكير، والشكر والصبر، تأثيره على الأعمال والأقوال، هداية الله إلى الصراط المستقيم، محبة الله والمؤمنين من خلقه، رفع الله لمكانتهم.
    وفي المبحث السابع والأخير: كان الحديث عن الشرك والكفر والنفاق والردة والفسق والمعاصي.
    أيها القاري الكريم أضع بين يديك هذا الكتاب راجياً من الله أن يحي قلبك وتزداد هداية مع كل معرفة جديدة عن ربك فالهدف من كتابته هو زيادة إيمانك برب العالمين بعيدا عن العوائق التي وضعت في طريق الإيمان الذي بينه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وسار عليه الصحابة الكرام سهلا ميسرا بدون عناء ولا شقاء فأمنوا بربهم فهدى الله قلوبهم قال الله سبحانه وتعالى " وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" ( التغابن ، آية : 11)، هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الأحد الثالثة إلا ربع ظهراً بتاريخ 8/5/1430هـ/ 3/3/2009م بالدوحة، والفضل لله من قبل ومن بعد وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل عملي لوجهه خالصاً ولعباده نافعا، ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده وأن يثيب أخواني الذين أعانوني من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع، ونرجو من كل مسلم يصله هذا الكتاب أن لا ينسى العبد الفقير إلى عفنو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه " رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" (النمل ، آية : 19).
    وقال تعالى: " مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (فاطر ، آية : 2).
    وقال تعالى: " سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الصافات ، آية : 180 ـ 183).
    سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلآ أنت استغفرك وأتوب إليك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    الاخوة الكرام: يسرني أن تصل ملاحظاتكم وانطباعاتكم حو هذا الكتاب وغيره من كتبي من خلال دور النشر، وأطلب من أخواني الدعاء في ظهر الغيب بالإخلاص لله والصواب لخدمة دينه العظيم.

    Mail: info@alsallaby.com
    Website : www.alsallaby.com



    الفصل الأول

    كلمة الشهادة

    لا إله إلا الله محمد رسول الله:

    المبحث الأول: معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله فضلها وشروطها:
    أول كلمة يدخل بها الإنسان بوابة الإسلام، ويصل إلى مدارج التوحيد، ويرتقي في مراقي العبودية، هي كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" التي بموجبها يعترف العبد لله عز وجل وحده بالربوبية والألوهية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. وأن يشهد العبد أن الله هو المستحق للعبادة، وأن تنصرف قواه ـ قوى عقله وقلبه وبدنه وجوارحه ـ في التسبيح والتهليل والتمجيد، والعبودية لهذا الإله العظيم، الذي أنت أيها الإنسان بعض فضله وبعض خلقه، فكل ذرَّات كيانك الداخلية تعترف به، وتمجَّده وتسبِّحه، شئت أم أبيت، غفلت أم انتبهت، حييت أم مِتَّ، آمنت أو كفرت، فيبقى اختيار الإنسان أن يعبد ربه سبحانه وتعالى طوعاً بما أمره الله تعالى وبما جاء على ألسنة رسله المكرمين عليهم الصلاة والسلام . وأن يشهد بأن محمد صلى الله عليه وسلم الخاتم للرسل هو عبد الله ورسوله أرسله ربنا إلى الخلق أجمعين من الإنس والجن وذلك إقرارا باللسان وإيمانا بالقلب بأنه رحمة مهداة للعالمين.

    أولا: معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله:
    إن معنى كلمة: لا إله إلا الله أنه لا معبود بحق إلا الله، فهو وحده سبحانه المستحق بأن تصرف له جميع العبادات وتكون خالصة له دون سواه، قال تعالى: "وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" (البقرة ، آية : 163).
    وقال تعالى : "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الزخرف ، آية : 26 ، 28).
    وقال تعالى : "اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" (آل عمران ، آية : 2).
    ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله ـ عز وجل ـ إلى جميع الخلق من الجن والإنس، قال تعالى: " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُو يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (الأعراف ، آية 158). وقال تعالى: "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا" (الفرقان ، آية : 1).
    فكلمة لا إله إلا الله تشمل جزأيين، النفي والإثبات:
    1- أما النفي (لا إله) نافية جميع ما يعبد من دون الله تعالى فلا يستحق أن يعبد أحد سواه، والنكرة في سياق النفي تعم وتفيد العموم، فهي تشمل كل ما يمكن أن يتوجه إليه بالعبادة وكل من تصرف إليه غير الله تعالى.
    2 ـ وأما الإثبات (إلا الله) مثبتاً العبادة لله تعالى فهو الإله الحق المستحق للعبادة فإن خبر (لا) المحذوف (بحق) هو الذي جاءت به نصوص الكتاب، فمعنى أنه لا إله بحق إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله، فكما تفرد سبحانه وتعالى بالخلق والرزق والإحياء، والإماتة والإيجاد، والإعدام والنفع والضر، وغير ذلك من معاني ربوبيته ولم يشاركه أحد في خلق المخلوقات ولا في التصرف في شئ منها، فكذلك تفرد سبحانه بالألوهية حق لا شريك له، قال تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" (لقمان، آية : 30).
    ولفظ الجلالة في كلمة الشهادة (الله) عز وجل فهو اسم من أسمائه جل وتعالى، بل هو اسمه الأعظم عند قوم، وهذا أكثر الأسماء تردداً في القرآن والسنة. (الله) هو أكثر الأسماء إشتهاراً وترديداً على ألسنة المخلوقين كلهم بمختلف لغاتهم وألسنتهم.
    ((الله)) هو الإسم الدال عل الذات العظيمة الجامعة لصفات الإلهية والربوبية فهو إسم له وحده لا يتعلق به أحد سواه، ولا يُطلق على غيره ولا يدّعيه أحد من خلقه.
    ((الله)) اسم للرب المعبود المحمود الذي يمجَّده الخلق ويسبحونه ويحمدونه، وتسبح له السماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهم والليل والنهار والإنس والجن والبر والبحر "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" (الإسراء ، آية : 44".
    ((الله)) هو الرب الذي تألهُههُ القلوب وتحن إليه النفوس وتتطلع إليه الأشواق، وتحب وتأنس بذكره وقربه وتشتاق إليه وتفتقر إليه المخلوقات كلها في كل لحظة وومضة، وخطرة وفكرة في أمورها الخاصة والعامة، والكبيرة والصغيرة، والحاضرة والمستقبلة، فهو مبديها ومعيدها، ومُنْشِئها وباريها وهي تدين له سبحانه وتُقِرُّ، ةتفتقر إليه في كل شؤونها وأمورها ما من مخلوق إلا ويشعر بأن الله تعالى طوّقه مِنَناً ونِعماً وأفاض عليه من آلائه وكرمه وإفضاله وإنعامه بالشئ الكثير، فجدير بأن يتوجه قلب الإنسان إلى الله تبارك وتعالى بالحب والتعظيم والحنين.
    ((الله)): أنه العظيم في ذاته وصفاته وأسمائه وجلاله ومجده، لا تحيط به العقول ولا تدركه الأفهام ولا تصل إلى عظمته الظنون، فالعقول تحار في عظمته وإن كانت تستطيع بما مُنحت من الطّوق والقدرة على أن تدرك جانباً من هذه العظمة، يمنحها محبة الله والخوف منه والرجاء فيه والتعبد له بكل ما تستطيع .
    قال الشاعر:
    لله في الآفاق آيات
    لعل أقلَّها هو ما إليه هداكا
    ولعلَّ ما في النفس من آياته
    عجب عُجاب لو ترى عيناكا
    والكون مشحون بأسرار
    إذا حاولت تفسيراً لها أعياكا

    ((الله)) هو الإله المعبود الذي يُخلص له المؤمنون قلوبهم وعبادتهم، وصلاتهم وحَجَّهم وأنساكهم وحياتهم وآخرتهم "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" (الأنعام ، آية : 162 ، 163).
    وروح لا إله إلا الله وسرها: إفراد الرب جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة، فلا يحب سواه، بل كان ما كان يحب غيره فإنما هو تبعاً لمحبته وكونه وسيلة إلى زيادة محبته ولا يُخاف سواه، ولا يُرجي سواه، ولا يتوكل إلا عليه ولا يُرغب إلا إليه، ولا يُرهب إلا منه، ولا يُحلف إلا باسمه، ولا يُنذر إلا له، ولا يُتاب إلا إليه، ولا يُطاع إلا بأمره، ولا يُحتسب إلا له، ولا يُستعان في الشدائد إلا به، ولا يُلتجأ إلا إليه، ولا يُسجد إلا له، ولا "يُذبح إلا له وباسمه، يجتمع ذلك في حرف واحد هو أن لا يعبد بجميع أنواع العبادات إلا هو فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا حرم الله على النار من شهد أن لا إله إلا الله حقيقة الشهادة، ومحال أن يدخل النار من تحقق بحقيقة هذه الشهادة وقام بها كما قال تعالى "وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ" (المعارج ، آية : 13). فيكون قائماً بشاهدته في باطنه وظاهره وفي قلبه وقالبه .
    ومقتضى هذه الشهادة أن تصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تتجنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع وأن لا تعتقد أن لرسول الله حقاً في الربوبية وتصريف الكون، أو حقاً في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبدٌ لا يعبد ورسول لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع أو الضر إلا ما شاء الله .
    لقد عرفت لا إله إلا الله لدى المسلمين بكلمة "التوحيد" وكلمة "الإخلاص" وكلمة "التقوى"، وكانت لا إله إلا الله، إعلان ثورة على جبابرة الأرض وطواغيت الجاهلية، ثورة على كل الأصنام والآلهة، المزعومة، من دون الله، سواء كانت شجراً أم حجراً أم بشراً، وكان لا إله إلا الله نداءً عالمياً لتحرير الإنسان من عبودية الإنسان والطبيعة وكل من خلق، وكانت لا إله إلا الله عنوان منهج الله الذي لا تعنو الوجوه إلا له، ولا تنقاد القلوب إلا لحكمه، ولا تخضع إلا لسلطانه .

    ثانياً : فضل كلمة لا إله إلا الله: لقد ورد في كتاب الله وسنة نبيه من الفضائل الجمة لهذه الكلمة والخصال العديدة والأوصاف الحميدة، ما يصعب استقصاؤه في هذا الموضع، فهي، كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وخُلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله تعالى رسله، وأنزل كتبه وشرع شرائعه ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام، وعنها يُسأل الأولون والآخرون فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يُسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
    فجواب الأولى: بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقراراً وعملاً.
    وجواب الثاني: بتحقيق أن محمداً رسول الله معرفة وإقراراً وانقياداً وطاعة .
    ومما ورد في فضل هذه الكلمة في القرآن الكريم أنها وصفت بالكلمة الطيبة والقول الثابت كما قال تعالى: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (إبراهيم، الآيات،:24 ـ 25).
    وأنها العروة الوثقى، كما قال تعالى: "فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا" (البقرة،آية:256).
    ومن فضائلها أن الرسل جميعهم أُرسلوا بها منذرين ومبشرين كما قال تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ " (الأنبياء ، آية : 25).
    إلى غير ذلك من الفضائل التي ذكرت في القرآن الكريم وأما ما ورد في فضلها في السنة المشرفة فكثير جداً نذكر منه بعضها:
    ـ فمن ذلك أنها أعلى شعب الإيمان فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق .
    ـ ومن فضائلها أن الجهاد أقيم من أجل إعلائها كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذ فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله .
    ـ ومن فضائلها أنها ترجح بصحائف الذنوب كما في حديث البطاقة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً أظلمك كتبي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: ألك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول أحضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء .

    ثالثاً: أفضل الذكر لا إله إلا الله:
    إن ذكر الله من أجل العبادات المقربة إلى الله تعالى وأجلّها وأعظمها أجراً، مع سهولته ويسره على من يسرّه الله عليه هذا وإن أفضل أنواع الذكر بعد القرآن العظيم هو قول المرء: لا إله إلا الله وهي كلمة التوحيد، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:أفضل الذكر لا إله إلا الله ،وهذه الكلمة الجليلة واجب على كل مسلم أن يتعلمها ويعلم مضمونها ومعناها وشروطها وأركانها وكل ما يتعلق بها لأنها الكلمة التي يعير بها المرء مسلماً، فهي الفيصل بين الكفر والإسلام، ولأن الله جل جلاله أمر أفضل خلقه وخاتم رسله صلى الله عليه وسلم أن يعلم كل ما يتعلق بها ويعتقده في قوله: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" (محمد ، آية : 19).
    وقد ذم الله سبحانه من استكبر عنها وأعرض عنها وترك العمل بها في قوله :" إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ" (الصافات ، آية : 35 ـ 36).
    ووصف الله سبحانه نفسه بما تضمنته هذه الكلمة في غير موضع من كتابه فقال: "اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" (البقرة ، آية : 255) وقال سبحانه: " هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " (غافر ، آية : 65) وحققها إبراهيم عليه السلام كما حكى الله عنه بقوله: " إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ" (الزخرف، آية:26ـ 28).

    رابعاً: أشعة كلمة لاإله إلا الله، تبدد ظلمات القلوب:
    اعلم أن أشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها نور، وتفاوت أهلها وتفاوت أهلها في ذلك النور، قوة وضعفاً، لا يحصيه إلا الله تعالى، فمن الناس، من نور هذه الكلمة كالشمس، ومنهم، من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسرج الضعيف ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم، وبين أيديهم، على هذا المقدار، بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة علماً وعملاً ومعرفة وحالاً وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى انه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنباً، إلا أحرقه، وهذا حال الصادق في توحيده الذي لم يشرك بالله شيئاً، فأي ذنب أو شهوة أو شبهة دنت من هذا النور أحرقها، فسماء إيمانه قد حرست بالنجوم من كل سارق لحسناته، فلا ينال منها السارق إلا على غرّة وغفلة لا بد منها للبشر، فإذا استيقظ وعلم ما سُرق منه استنقذه من سارقه أو حصّل أضعافه بكسبه، فهو هكذا أبداً مع لصوص الجن والإنس، ليس كمن فتح لهم خزانته وولى الباب ظهره .


    خامساً: التوافق بين لا إله إلا الله "وإياك نعبد":
    إن معنى لا إله إلا الله تضمنه قوله :"إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" (الفاتحة، الآية:5) وهذه الآية متضمنة لأجل الغايات، ففيها يسر الخلق والأمر، والدنيا والآخرة، وهي متضمنة لأجل الغايات وأفضل الوسائل فأجل الغايات عبوديته، وأفضل الوسائل إعانته، فلا معبود يستحق العبادة إلا هو، ولا معين على عبادته غيره، فعبادته أعلى الغايات، وإعانته أجلّ الوسائل.
    وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد، وهما توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتضمنت التعبد باسم الرب واسم الله، فهو يعبد بألوهيته، ويستعان بربوبيته، ويهدي إلى الصراط المستقيم برحمته، فكان أول السورة ذكر أسمه: الله والرب، والرحمن تطابقاً لأجل الطالب من عبادته وإعانته وهدايته وهو المنفرد بإعطاء ذلك كله، لا يعين على عبادته سواه ولا يهدي سواه .

    سادساً: شروط لا إله إلا الله: لمّا كان معنى لا إله إلا الله هو: أنه لا معبود بحق إلا الله، ولمّا كان كثير من الناس لا يدرك معنى وأهمية لا إله إلا الله: كان لا بدَّ لنا أن نتحدث عن شروط هذه الكلمة.
    ورحم الله وهب بن منبه حين سئل: أليست لا إله إلا الله مفتاح الجنَّة؟ قال:بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك ، وهذه الأسنان هي شروط هذه الكلمة العظيمة ، والتي عددها سبعة عند العلماء، وليس المراد من هذا عدُّ ألفاظها، وحفظها، فكم من عامّيّ إجتمعت فيه والتزمها، ولو قيل له أعددها لم يحسن ذلك وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم، وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها والتوفيق بيد الله ، وإليك هذه الشروط مع أدلتها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مع الإختصار:
    1ـ العلم بمعناها، نفياً وإثباتاً، علماً ينافي الجهل بها قال الله تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" (محمد ، آية : 19)، وقال تعالى: "شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (آل عمران ، آية : 18).
    وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة .
    2ـ اليقين المنافي للشك، وذلك بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" ( الحجرات ، آية : 15).
    وقال صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله، لا يلق الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة .
    3ـ القبول لما اقتضته هذه الكلمة بالقلب واللسان وقد قص الله علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قبلها وإنتقامه ممّن ردّها وأباها قال تعالى: " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم ، آية : 47) وقال تعالى: " ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ" (يونس ، آية :102)، وقال تعالى عن الذين كذبوا بهذه الكلمة ورفضوها ولم يقبلوها: "فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" الزخرف، آية :25).
    وقال صلى الله عليه وسلم: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا، وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعمل، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به .
    4ـ الانقياد لما دلت عليه المنافي لترك ذلك: قال الله سبحانه وتعالى: "وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ" (الزمر ، آية : 54)، وقال تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ" ( النساء ، آية : 125).
    5ـ الصدق المنافي للكذب، وذلك بأن يقولها صدقاً من قلبه يواطئ قلبه لسانه قال تعالى: "الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" (العنكبوت ، آية : 1 ـ 3).
    وقال صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرّمه الله على النار .
    6ـ الإخلاص وهو تصفية العمل لصالح النية عن جميع شوائب الشرك، قال تعالى: "أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ" (الزمر ، آية: 3)، وقال تعالى ((فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ" ( الزمر ، آية : 2)، وقال تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" (البينة ، آية : 5).
    وقال صلى الله عليه وسلم: أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه ، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله حرّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .
    7ـ المحبة لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه، ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها وبغض ما ناقض ذلك قال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ" (البقرة ، آية : 165).
    وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبُه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار .
    وقال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين .
    ومحبة الله سبحانه وتعالى لا تتم إلا بمحبة ما يحبه وكره ما يكرهه وطريق معرفة ذلك هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته، فمحبة الله تستلزم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه وطاعته فهذه الشروط من حققها وعمل بها وابتعد عما يناقضها أوجب له مغفرة الذنوب بإذن الله تعالى .

    سابعاً: إرتباط لا إله إلا الله بالولاء والبراء:
    ولما كان أصل الموالاة: الحب، وأصل المعاداة: البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنفرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة ونحو ذلك ، فإن الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله قال الله تعالى: "لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ" (آل عمران ، آية : 28)، وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (المائدة ، آية 51)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله .
    ولقد ضرب نبي الله إبراهيم عليه السلام نموذج السوة الحسنة في ولائه لرب العالمين حيث كان عليه السلام أسوة حسنة وقدوة طيبة في ولائه لربه ودينه وعباد الله المؤمنين وبرائه ومعاداته لأعداء الله ومنهم أبوه،لقد كانت سيرة نبي الله ابراهيم عليه السلام مع قومه، كأي نبي رسول، حيث دعاهم بالتي هي أحسن إلى عبادة الله وتوحيده، وإفراده بالعباد
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 101
    نقاط : 314
    تاريخ التسجيل : 01/11/2010
    العمر : 42

    الإيمان بالله جل جلاله  Empty باقى الموضوع

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء نوفمبر 17, 2010 12:11 pm

    المبحث الثاني

    إثبات وجود الخالق

    رغم أنه لا يوجد في القرآن مناقشة صريحة لمنكري الخالق إلا أن الإيمان بوجود خالق لهذا الكون قضية ضرورية لا مساغ للعقل في إنكارها، فهي ليست قضية نظرية تحتاج إلى دليل وبرهان، ذلك لأن دلالة الأثر على المؤثر يدركها العقل بداهة والعقل لا يمكن أن يتصور أثراً من غير مؤثر، أي أثر ولو كان أثراً تافهاً فكيف بهذا الكون العظيم؟ ولذلك لم يناقش القرآن هذه القضية، حتى حينما أورد إنكار فرعون لرب العالمين يوم أن قال: " وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ" (الشعراء ، آية : 23)، و"مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي" (القصص ، آية : 38)، " يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ* أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا" (غافر ، آية : 36، 37). فكان موسى عليه السلام لا يعير اهتماماً لهذه الإنكارات وتعامل مع فرعون على أساس أنه مؤمن بوجود الخالق فتراه يقول له مثلاً:" قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ ا لسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا" (الإسراء ، آية : 102). وقد عزا القرآن الكريم هذا الإنكا ر والتكبر والعناد، فقال : " ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ" (المؤمنون ، آية : 45 ـ 47)، وأوضح أكثر فقال: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا..." (النمل ، آية : 14).
    إن البيئة التي أنزل فيها القرآن الكريم كانت وثنية في الغالب وكتابية في بعض القرى أو بعض الأشخاص والكتابيون لا ينكرون الخالق، وأما الوثنيون فمع عبادتهم للأوثان إلا أنهم كانوا يؤمنون بالخالق سبحانه، وسجل القرآن هذا لهم في أكثر من موضع ، قال تعالى : "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ " (لقمان ، آية : 25)، وقال تعالى: "وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" (لقمان ، آية : 32)، ولهذا لم يحتج القرآن أن يفتح الموضوع مع هؤلاء الناس بل حتى خارج هذه البيئة لم يعرف هناك منكر للخالق يقول الشهرستاني: أما تعطيل العالم عن الصانع العليم القادر الحكيم فلست أرها مقالة لأحد، ولا أعرف عليها صاحب مقالة إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية ولست أرى صاحب هذه المقالة ممن ينكر الصانع، بل هو معترف بالصانع، فما عُدت هذه المسألة من النظريات التي قام عليها دليل .
    ومع خلو القرآن من مناقشة صريحة لمنكري الخالق إلا أنه تضمن أدلة كثيرة لإثبات الخالق، غير أنها جاءت في الغالب لإثبات مسائل أخرى، كالوحدانية والنبوة والبعث ، ومن هذه الأدلة التي ذكرت في القرآن الكريم:
    أولاً: دليل الخلق: وخلاصة هذا الدليل، أن هذا الخلق بكل ما فيه شاهد على وجود خالقه العلي القدير سبحانه، قال تعالى:" أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ" (الطور، آية :35 ـ 36)، يقول لهم أنتم موجودون هذه حقيقة لا تنكرونها وكذلك السموات والأرض موجودتان ولا شك وقد تقرر في العقول أن الموجود لابد من سبب لوجوده، وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء فيقول: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج تدل على العليم الخبير. ويدركه كبار العلماء الباحثين في الحياة والأحياء، يقول أحدهم: إن الله الأزلي الكبير العالم بكل شيء والمقتدر على كل شيء قد تجلى لي ببدائع صنعه حتى صرت دهشاً متحيراً فأي قدرة وأي حكمة وأي إبداع أودعه مصنوعات يده صغيرها وكبيرها . وهذا الذي أشارت إليه الآية هو الذي يعرف عند العلماء باسم: قانون السببية هذا القانون يقول: إن شيئاً من "الممكنات" لا يحدث بنفسه من غير شيء، لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده ولا يستقل بإحداث شيء، لأنه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئاً لا يملكه هو . وبهذا الدليل كان علماء الإسلام ولا يزالون يواجهون الجاحدين، فهذا الإمام أبو حنيفة يعرض له بعض الزنادقة المنكرين للخالق، فيقول لهم: ما تقولون في رجل يقول لكم: رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة من الأنفال، قد أحتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة، وهي من بينها تجري مستوية ليس لها ملّاح يجريها ولا متعهد يدفعها، هل يجوز في العقل؟ قالوا هذا شيء لا يقبله العقل، فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على إختلاف أحوالها وتغيّر أعمالها وسعة أطرافها وتباين أكنافها من غير صانع ولا حافظ، فبكوا جميعاً، وقالوا: صدقت وتابوا ، هذا القانون الذي سلمت به العقول وانقادت له هو الذي تشير إليه الآية الكريمة: "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" وهو دليل يرغم العقلاء على التسليم بأن هناك خالقاً معبوداً، إلا أن الآية صاغته صياغة بليغة مؤثرة فلا تكاد الآية تمس السمع حتى تزلزل النفس وتهزها .
    قال الشاعر:
    فوا عجبا كيف يعصى الإله
    أم كيف يجحده الجاحد
    وفي كل شيء له آية
    تدل على أنه واحد
    لقد تناول القرآن الكريم قضية الخلق والتدبير تناولاً فريداً وعنى بتوجيه العقول إلى النظر في آفاق الكون وآيات الله الكثيرة، وأهاب بالعقل أن يستيقظ من سباته، ليتفكر في ملكوت السموات والأرض وما أودع فيها من الآيات، ويكرر القرآن ذلك في أساليب متنوعة ليرى هذا الإنسان ويسمع في آفاق الكون ما يقوده إلى الإيمان بخالقه سبحانه وتعالى ويعلم أن هذا الكون هو من صنع الله الخالق المدبر المستحق للعبادة وحده لا شريك له .

    ثانياً: دليل الفطرة والعهد:
    إن معرفة الخالق والإقرار بوجوده تبارك وتعالى وربوبيته أمر بديهي مغروس في نفوس الناس وفطرهم إذ لو تُرك الإنسان في مكان خال لا يوجد فيه أحد بعيداً عن كل المؤثرات الخارجية وعن كل الشوائب العقدية، لإستطاع بفطرته أن يعرف أن لهذا الكون خالقاً مدبراً ومتصرفاً، ثم بفطرته يتوجه لمحبة خالقه ومن هنا نعلم أن من أنكر وجود الخالق جل جلاله من الملحدين إنما أُتوا من انحراف فطرهم ومن تأثير الشياطين عليهم وتلاعبهم بهم ودليل الفطرة هذا دل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، قال تعالى: " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (الروم ، آية : 30). فالفترة المقصودة بها هنا الإسلام، فالله جل جلاله فطر الناس على دين الإسلام والتوحيد ، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تتبع البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ، وفي الحديث القدسي يقول تبارك وتعالى: "إني خلقت عبادي كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم . ومعنى (حنفاء) أي: مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام . ومن أجل أهمية الفطرة في دلالة الناس على ربهم وتعريفهم به كان صلى الله عليه وسلم إذا أصبح أو أمسى يقرر أنه يصبح ويمسي على هذه الفطرة فطرة الإسلام وأنها لم تتأثر بالمؤثرات والعوارض الخارجية من نزغات الشيطان ووساوسهم، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى: "أصبحنا أو أمسينا على فطرة الإسلام وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين . فقد أكد على سلامة الفطرة من الانحراف بقوله. وعلى كلمة الإخلاص وهي الشهادة: "لا إله إلا الله وبقوله. وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الدين الإسلامي، وبقوله: وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلما. أي مائلاً عن كل ما يخالف هذه الفطرة من الأديان والعقائد الفاسدة التي تنكر الرب سبحانه وتعالى أو تزعم أن معه شريكاً في ملكه أو عبوديته إلى الإسلام الخالص، فإذا حقق توحيد الألوهية كان توحيد الربوبية محققاً، لأن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية، وبذلك تكون الفطرة قد دلت على توحيد الربوبية .
    وهذه الفطرة التي فطر الله عليها عباده لها صلة وارتباط وثيق بالعهد الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على بني آدم وهم في عالم الذر كما أشار الله بقوله: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" (الأعراف ، آية : 172 ، 173).
    فهذا العهد والميثاق الذي أخذه الله جل جلاله على الناس مضمونه الإعتراف والإقرار بربوبيته، وأشهدهم على أنفسهم فشهدوا، فمن الناس من حافظ على ذلك العهد وقام بمقتضاه ولازمه من عبادة ربه وحده لا شريك له وتوحيده. وصدق رسل الله وآمن بهم وبما جاءوا به، ومن الناس من تغيرت فطرته وانحرفت واجتالته الشياطين ـ والعياذ بالله ـ فنسى ما شهد عليه وما جبل عليه من الإقرار بربوبية الله عز وجل فوقع في الكفر والإلحاد، مع أن الله سبحانه لم يترك عباده سدى بل أرسل لهم الرسل وأنزل معهم الكتب ليذكّروا الناس بهذا الإشهاد وهذا العهد والميثاق ولكي يبقى المسلم متذكراً هذا العهد الذي أخذه الله عليه في عالم الذر فقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ذكراً يقولونه في الصباح والمساء ففي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: سيد الإستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما أستطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك علي أبوء بذنبي فأغفرلي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . فقوله: وأنا على عهدك: أي: ما عاهدتك عليه من الإيمان بك والإقرار بوحدانيتك، لا أزول عنه ، قال ابن حجر: وقال ابن بطال قوله: وأنا على عهدك ووعدك يريد العهد الذي أخذه الله على عباده حيث أخرجهم أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فأقروا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية، وبالوعد ما قاله على لسان نبيه ، فهذا الذكر العظيم من داوم عليه يومياً ولازمه حفظ نفسه ـ بإذن الله ـ من إنحراف فطرته وتغيّرها ووفّى بعهده الذي بينه وبين ربه .
    ثالثاً: دليل الآفاق:
    قال تعالى:"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (فصلت، آية:53). فقوله: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ" أي: علامات وحدانيتنا وقدرتنا ، وقوله" في الآفاق" يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق، والصواعق والنبات ، وغير ذلك مما فيها من عجائب خلق الله، وفي حديث العلماء عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ما يدل على آيات الله في الآفاق والتي منها:
    1ـ نقص الأوكسجين في الإرتفاعات:
    قال تعالى: " فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ" (الأنعام، آية : 125)، تنص هذه الآية الكريمة على أن الإنسان عندما يصّعّد في السماء أي يرتفع في أعالي الجو يضيق صدره ويشعر بالاختناق، وهذه حقيقة علمية سببها أن نسبة الاوكسجين تقل كلما ارتفعنا إلى أعلى كما يقل الضغط الجوي، وهذان السببان يجعلان الإنسان يشعر بضيق التنفس.
    2ـ حركة النجوم والكواكب في مداراتها:
    كان الناس يرون أن الأرض مركز الكون ويدور حولها الشمس والقمر والنجوم السيارة، ويرون نجوماً ثابتة طوال السنة فيصفونها بالثبات، ثم حدث في عصر "غاليلو" رأي يعتبر أن الأرض هي التي تدور حول الشمس، والشمس هي مركز الكون، أما القرآن الكريم فقد رفض قبل ذلك جميع الآراء التي تزعم أن للكون مركزاً ثابتاً، قال تعالى:"وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (يس، آية:40). وكان ذلك في عصره سبق علمي . وقال تعالى:" فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ" (الواقعة، آية:75 ـ 76). فقد وجد العلماء أن مواقع النجوم ومساراتها ليست اعتباطية، فالكوكب وُضع في مسار بحيث لا تؤدي قوى التجاذب الكونية الكثيرة والقوى النابذة الناشئة عن الدوران إلى ضطراب كوني، ولقد اختير له المسار الذي يحقق له التوازن بين تلك القوى الكثيرة ووجد العلماء أيضاً أن أبعاد المجموعة الشمسية تتبع سلسلة حسابية، وأنى للعربي الجاهلي الذي كان يرى النجوم مبعثرة في صفحة السماء أن يعرف من تلقاء نفسه أن لمواقعها شأن عظيم .
    3ـ دوران الأرض والجبال:
    قال تعالى:" وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ" (النمل، آية:88)، لقد كان الناس قديماً يرون أن الأرض وجبالها ثابتة، بل يضربون المثل بثباتها، فجاء القرآن ليخالف ما ألفه الناس واستقر في أذهانهم، وتحدث عن ظاهرة كونية، فقال عن الجبال أنها تمر مر السحاب، أي أن الجبال كالسحاب، فكما أن السحاب لا يتحرك ذاتياً إلا إذا كان هناك شيء يدفعه إلى التحرك، والذي يحرك السحاب ويدفعه هي الرياح، فكذلك الجبال لا تتحرك بنفسها، لأنها أوتاد الأرض ولكن هي تتحرك، وحركتها تابعة لحركة الأرض فالأرض تتحرك وتدور، وإلا فكيف تتحرك الجبال وتمرّ مرّ السحاب وهذا من صنع الله الذي أتقن كل شيء حينئذ يكون هناك يقين ثابت .
    4ـ حاجز بين بحرين مالحين:
    قال تعالى:"مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ" (الرحمن، آية:19ـ22).
    تتحدث الآيات الكريمة عن بحرين يتلاقيان وفي مكان تلاقيهما يوجد حاجز والظاهر أنها تتحدث عن بحرين حقيقين مالحين وليس عن بحر ونهر لأنه قال:"يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان".
    والمرجان: هو الخرز الأحمر، لا يخرج إلا من المياه المالحة، فلآية الكريمة إذن تتحدث عن حاجز حقيقي بين بحرين مالحين في مكان تلاقيهما، والبحران يتلاقيان في المضائق، لأنه، إن لم يكن هناك مضيق فليس من مسوغ لاعتبارهما بحرين، بل يكونان بحراً واحداً، إن هذا الذي أثبتته الآية الكريمة مستغرباً جداً في عرف الناس، إذ الانطباع السائد أن المياه المتلاقية لا حواجز بينها، وما كان أحد يعرف هذه الحقيقة ولا تخطر له على بال إلى أن اكتشفت عام 1962م، وثبت ما قاله القرآن الكريم كحقيقة مدهشة .
    5ـ اهتزاز الأرض وزيادتها بالمطر:
    قال تعالى:" وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" (الحج، آية:5). إن العلم يؤكد أن الأرض تهتز فعلاً بنزول الغيث عليها فالحبوب والبصيلات والدرنات والحويصلات والجراثيم كلها تبدأ بالحركة والإنقسامات الخلوية وامتصاص الماء وتحليل الغذاء المعقد إلى وحدات أقل ارتباطاً وأكثر عدداً وأكبر حجماً، وبامتلاء مسام الأرض بالماء تتحرك جزيئات الطين وتبدأ عملية تأين عجيبة في جزيئات التربة، وتنشط الديدان الأرضية في شق الأنفاق الأرضية وابتلاع كميات كبيرة من التربة المتلاصقة وإخراجها بعد ذلك مفككة، كل هذه النشاطات تؤدي إلى زيادة حجم التربة ويمكننا رؤية صورة مصغرة لهذه العمليات بتخمير العجين وزيادة حجمه نتيجة نشاط خلايا الخمائر، وفي التربة تحدث ضروب كثيرة لمثل هذا النشاط، من كل ما سبق نجد التوافق بين ما عرفه العلم وما وصفه القرآن الكريم
    6ـ أوهن البيوت:
    قال تعالى:" مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت، آية:41).إن قوله سبحانه"لو كانوا يعلمون" وقوله بعد ذلك "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون" (العنكبوت، آية:43)، يشيران إلى أن وهن بيت العنكبوت المتحدث عنه وهن غير ظاهر ومعروف لدى عامة الناس، وقد ضرب هذا الوهن مثلاً لموالاة الكافرين بعضهم لبعض، فماذا وجد العلماء عند دراسة العنكبوت؟ وجدوا أن الروابط بين أفراد العنكبوت في غاية التفكك، فالأنثى كثيراً ما تأكل الذكر بعد الإلقاح وقد تأكل ابناءها والأبناء يأكل بعضهم بعضاً، فهو بيت متفكك متداع وذلك مثل موالاة الكافرين بعضهم بعضاً .
    والأمثلة في البراهين العلمية على صحة العقيدة الإسلامية كثيرة، ذكرت في كتب بحثت هذا الموضع، كرحلة الإيمان في جسم الإنسان، د.حامد أحمد حامد، والبراهين العلمية على صحة العقيدة، لعبد المجيد العرجاوي ووحدانية الله تتجلى في وحدة مخلوقاته للاستاذ عمر أحمد الهواري وغيرها كثير لمن أراد التوسع.

    رابعاً: دليل الأنفس:
    قال تعالى:"وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" (الذاريات، آية:21). ولما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه دعاه خالقه وبارئه ومصوره وفاطره من قطرة ماء إلى التبصر والتفكر في نفسه، فإذا تفكر الإنسان في نفسه استنارت له آيات الربوبية وسطعت له أنوار اليقين، واضمحلت عنه غمرات الشك والريب وانقشعت عنه ظلمات الجهل فإنه إذا نظر في نفسه وجد آثار التدبير فيه قائمات، وأدلة التوحيد على ربه ناطقات، شاهدة لمدبره، دالة عليه مرشدة إليه ، وإليك بعض البراهين العلمية المتعلقة بالإنسان وخلقه:
    1ـ الإحساس والجلد:
    قال تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ" (النساء، آية:56)، وهذه حقيقة كونية وهي أن موطن الإحساس والألم في الإنسان هو الجلد، فالكافرون يعذبون عن طريق تبديل الجلد أو تغييره، وذلك ليذوقوا العذاب، فالإذاقة حسب القرآن محلها الجلد وقد بين التشريح المجهري للجلد أنه عضو غني بالألياف العصبية التي تقوم باستقبال ونقل جميع أنواع الحس من المحيط الخارجي وذلك عن طريق طبقات الجلد"البشرة، الأدمة، النسيج تحت الأدمة" وهي تنقل حس الألم، والحرارة والبرودة، والضغط، وحس اللمس، فالقرآن ينبهنا إلى هذه الحقيقة الكونية ويقول: إن الله ـ سبحانه ـ كلما أراد أن يذيق الكفار بدّل جلودهم التي احترقت، وماتت فيها الألياف العصبية بجلود سليمة لم تحترق، ليذوقوا العذاب مرة أخرى وعندما يأتي التشريح المجهري، ليقول: إن الألياف العصبية تكمن في الجلد نقول: إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد أخبرنا بهذه الحقيقة في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً .
    2ـ البصمات وتحديدها لهوية الإنسان:
    قال تعالى:"أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ" (القيامة، آية : 3 ، 4). لقد توصل العلم إلى سر البصمة في القرن التاسع عشر، وبين أن البصمة تتكون من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاوزها منخفضات، وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقية، تتمادى هذه الخطوط وتتلوى، وتتفرع عنها تَغَصُّنات وفروع، لتأخذ في النهاية وفي كل شخص شكلاً مميزاً، وقد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم، حتى في التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة، يتم تكون البنان في الجنين في الشهر الرابع،وتظل ثابتة ومميزة له طوال حياته ويمكن أن تتقارب بصمتان في الشكل تقارباً، ولكنهما لا تتطابقان البتة، ولذلك فإن البصمة تعد دليلاً قاطعاً، ومميزاً لشخصية الإنسان معمول بها في كل بلاد العالم، ويعتمد عليها في تحقيق القضايا الجنائية، لكشف المجرمين واللصوص وقد يكون هذا هو السر في أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خص البنان بالذكر ليبين للإنسان هذين الأمرين:
    ـ السر المختفي في البنان الذي لم يعلم أمره إلا في عصر الكشوف العلمية.
    ـ القدرة الفائقة على إعادة خلق الإنسان بصورته وخلقته التي كان عليها .
    والدعوة مفتوحة للإنسان في التفكر في أجهزته العضوية كالجهاز الهضمي والنفسي والدموي وغيرها في جسم الإنسان، وفي التأمل في عالم المشاعر والأحاسيس والأفكار والعقائد.
    خامساً: دليل الهداية:
    قال تعالى:" سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى" (الأعلى، آية:1 ـ3)، وقال تعالى:"رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" (طه، آية : 50)، والمقصود بالهداية المرادة في الآيات السابقة، إعطاء كل مخلوق من الخلق والتصوير ما يصلح به لما خلق له، وإرشاده إلى ما يصلح في معيشته ومطعمه ومشربه، ومنكحه وتقلبه وتصرفه .
    ومن اسماء الله الحسنى الهادي سبحانه وتعالى الذي يُبصّر عباده ويعرّفهم طريق الإيمان به والإقرار بإلوهيته ومعرفة طريق بناء الحياة ومعرفة نواميسها وسننها حتى هدى الطيور والحيوانات والهوّام والوحوش إلى ما فيه مصالحها وعيشها ومحاذرة ما يضرّها أو يُعْطِبُها وقد جاء اسم الهادي في القرآن الكريم في قوله سبحانه: "وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا" (الفرقان، آية : 31)، وقوله:"وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم" (الحج، آية:54).
    إنها هداية المعارف الفطرية الضرورية لكل مخلوق " قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" (طه، آية:50).
    وهي ثانياً: هداية الإرشاد والبيان التي بعث بها أنبياءه وأنزل بها كتبه "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا" (السجدة، آية:24).
    وثالثاً: الأخذ بالقلوب والعقول إلى مواضع رضاه بالتوفيق والإلهام والحفظ، كما وعد سبحانه "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ" (يونس، آية : 9)، " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" (العنكبوت، آية:69). وهو منزل الكتاب الذي من تركه ضاع في بيداء الحياة ومن أبتغى الهدى في غيره أضله الله . وقد نبّه العلماء على كثير من هداية الله لمخلوقاته وكتبوا في ذلك كتباً نافعاً، فتحدثوا عن هداية الله للنمل وللهدهد والنحل وغيرها من مخلوقات الله الكثيرة وهذا باب واسع يكفي فيه قوله تعالى:"ومَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ " (الأنعام ، آية 38)، وهذه الأمم تعبد الله وتسبحه وتحمده، قال تعالى:"وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ" (الإسراء، آية : 44)، ومثل قوله: " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ" (النور، آية :41)، وتأمل معي في كل من:
    1ـ النحل: قال تعالى: " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (النحل، آية:68ـ 69). فأنظر إليها وإلى اجتهادها في صنعة العسل وبنائها البيوت المسدّسة التي هي من أتمّ الأشكال وأحسنها استدارة وأحكمها صنعاً، وتلك من أثر صنع الله وإلهامه إياها وإيحائه إليها ثم انظر أدّاها حسن الإمتثال إلى أن اتخذت البيوت أولاً، فإذا استقر لها بيت خرجت منه، فرعت وأكلت من الثمار، ثم آوت إلى بيوتها، لأن ربها سبحانه أمرها باتخاذ البيوت أولاً ثم بالأكل بعد ذلك ثم إذا سلكت سبل ربها مذلّلة لا يستوعر عليها شيء، ثم ترعى ثم تعود، ومن عجيب شأنها: أن لها أميراً يسمى "اليعسوب" لا يتم لها رواح ولا إياب، ولا عمل ولا مرعى إلا به، فهي مؤتمرة لأمره، سامعة له مطيعة، وله عليها تكليف وأمر ونهي، وهي منقادة لأمره، متبعة لرأيه يدبّرها، كما يدبّر الملك أمر رعيته، حتى إنها إذا آوت إلى بيوتها وقف على باب البيت فلا يدع واحدة تزحم الأخرى لا تتقدم عليها في العبور، بل تعبر بيوتها واحدة بعد واحدة بغير تزاحم ولا تصادم ولا تراكم، كما يفعل الأمير إذا انتهى بعسكره إلى معبر ضيق لا يجوز إلا واحد واحد ومن تدبر أحوالها وسياساتها وهدايتها واجتماع شملها وانتظام أمرها وتدبير ملكها، وتفويض كل عمل إلى واحد منها، يتعجب منها كل العجب، ويعلم أن هذا ليس في مقدورها ولا هو من ذاتها، فإن هذه أعمال محكمة متقنة في غاية الإحكام والإتقان، فمن الذي أوحى إليها أمرها، وجعل ما جعل في طباعها، ومن الذي هداها لشأنها؟ ومن الذي أنزل لها من الطّل ما إذا جنته ردّته عسلاً صافياً مختلفاً ألوانه في غاية الحلاوة واللذاذة والمنفعة ؟ إنه"الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى".
    2ـ الهدهد: ومن هدايته ما حكاه الله عنه في كتابه أن قال لنبي الله سليمان وقد فقده وتوعده فلما جاء بدره بالعذر قبل أن ينذره سليمان بالعقوبة، وخاطبه خطاباً هيجه به على الإصغاء إليه والقبول منه، فقال أحط بما لم تحطت به، وفي ضمن هذا أني أتيتك بأمر قد عرفته حق المعرفة بحيث أحطت وهو خبر عظيم له شأن فلذلك قال: وجئتك من سبأ بنبأ يقين، والنبأ هو الخبر الذي له شأن والنفوس متطلعة إلى معرفته، ثم وصفه بأنه نبأ يقين لا شك فيه ولا ريب، فهذه مقدمة بين يدي إخباره لنبي الله بذلك النبأ استفرغت قلب المخبر لتلقي الخبر، وأوجبت له التشويق التام إلى سماعه ومعرفته، وهذا نوع من براعة الاستهلال وخطاب التهييج، ثم كشف عن حقيقة الخبر كشفاً مؤكداً بأدلة التأكيد، فقال: إني وجدت إمرأة تملكهم، ثم أخبر عن شأن تلك الملكة وأنها من أجلّ الملوك بحيث أوتيت من كل شيء يصلح أن تؤتاه الملوك، ثم زاد في عظيم شأنها بذكر عرشها التي تجلس عليه وأنه عرش عظيم ثم أخبره بما يدعوه إلى قصدهم وغزوهم في عقر دارهم بعد دعوتهم إلى الله فقال:وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله. وحذف أداة العطف من هذه الجملة وأتى بها مستقلة غير معطوفة على ما قبلها إيذاناً بأنها المقصودة وما قبلها توطئة لها، ثم أخبر عن المغوى لهم الحامل لهم على ذلك وهو تزيين الشيطان لهم أعمالهم حتى صدهم عن السبيل المستقيم وهو السجود لله وحده، ثم أخبر أن ذلك الصد حال بينهم وبين الهداية والسجود لله الذي لا ينبغي السجود إلا له، ثم ذكر من أفعاله سبحانه اخراج الخبء في السموات والأرض، وهو المخبوء فيهما من المطر والنبات والمعادن وأنواع ما ينزل من السماء وما يخرج من الأرض، وفي ذكر الهدهد هذا الشأن من أفعال الرب تعالى بخصوصه إشعار بما خصه الله به من إخراج الماء المخبوء تحت الأرض، قال صاحب الكشاف وفي إخراج الخبء إمارة على أنه من كلام الهدهد لهندسته ومعرفته الماء تحت الأرض وذلك بإلهام من يخرج الخبء في السموات والأرض جلت قدرته ولطف علمه ولا يكاد يخفي على ذي الفراسة، الناظر بنور الله مخايل كل شخص بصناعة أو فن من العلم في روائه ومنطقه وشمائله فما عمل آدمي عملاً إلا ألقى الله عليه رداء عمله .

    سادساً: دليل انتظام الكون وعدم فساده:
    وانتظام أمر العالم، العلوي والسفلي، وارتباط بعضه ببعض، وجريانه على نظام محكم، لا يختلف ولا يفسد من أدلّ دليل على أن مدبّره واحد لا إله غيره .
    قال تعالى:" لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الأنبياء، آية:22)، لو كان في السموات والأرض آلهة تصلح لهم العبادة سوى الله الذي هو خالق الأشياء وله العبادة والألوهية التي لا تصلح إلا له "لفسدتا" أي:لفسد أهل السموات والأرض .
    وقال تعالى:"مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" (المؤمنون، آية:91).
    يقول تعالى ذكره: مالله من ولد ولا كان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته، إذن لاعتزل كل إله منهم بما خلق من شيء فانفرد به ولتغالبوا، ولعلا بعضهم على بعض، وغلب القوي منهم الضعيف، لأن القوي لا يرضى أن يعلوه الضعيف، والضعيف لا يصلح أن يكون إلهاً، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها لمن عقل وتدبر . وهكذا فإن دليل انتظام الكون وعدم فساده دليل عقلي قوي على وحدانية الله، لا تملك العقول السوية ردّه، وهي ترى انتظام أمر السموات والأرض وما فيهن، مما يدل على وجود إله واحد متفرد بالخلق والتدبير، مما يستوجب صرف العبادة له دون سواه .

    سابعاً: دليل التقدير:
    قال تعالى:"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا" (الفرقان، آية:2)، وقال تعالى:"إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر ، آية : 49)، وقال تعالى: "وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ" (الرعد، آية : Cool، وظاهرة التقدير تبدو في كل ما خلق الله عز وجل في الأرض والسماء والإنسان والنبات والحيوان، فقد نظم الله أجزاء هذا الوجود على أحسن نظام وأدلّه على كمال قدرة خالقه وكمال عمله وكمال حكمته وكمال لطفه .

    ثامناً: دليل التسوية:
    قال تعالى:" أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا" (النازعات، آية : 27، 28) وقال تعالى:"صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ" (النمل، آية : 88) وقال تعالى:"الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ" (السجدة،آية:7).
    والتسوية: إحسان الخلق، وإكمال الصنعة بحيث يكون المخلوق مهيئاً لأداء وظيفته وبلوغ كماله المقدَّر عنه وجعله مستوياً معتدلا متناسب الأجزاء بحيث لا يحصل تفاوت يخلّ بالمقصود منها وإذا تأملنا في مظاهر التسوية في الإنسان تبدو فـي كل عضـو من أعضائه فقد أحسن الله خلقه كمال قال تعالى:"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" (التين ، آية : 4) منتصب القامة سويَّ الأعضاء حسنها ، كما قال سبحانه في موضع آخر" الَّذِي
    خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ" (الانفطار، آية : 7 ، Cool، وإن الجمال والسواء والاعتدال ليبدو في تكوين الإنسان الجسدي، والعقلي والروحي وكل ذلك يتناسق في كيانه في جمال واستواء والأجهزة العامة لتكوين الإنسان الجسدي، كالجهاز العظمي والجهاز العضلي والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي ...إلى غير ذلك من أجهزة الجسم المتعدد، كل منها عجيبة، لا تقاس إليها كل العجائب الصناعية التي يقف الإنسان مدهوشاً أمامها وينسى عجائب ذاته، وهي أضخم وأعمق وأدق بما لا يقاس . وخلق الإنسان على هذه الصورة السويّة المعتدلة أمر يستحق التدبر الطويل لأنه خلق لا يملك العقل حياله إلا الإقرار بعظمة الله والشكر له بأن أكرمه بهذه الخلْقة وقد كان قادراً أن يركبه في أي صورة أخرى يشَاؤها .
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 101
    نقاط : 314
    تاريخ التسجيل : 01/11/2010
    العمر : 42

    الإيمان بالله جل جلاله  Empty تابع الموضوع السابق

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء نوفمبر 17, 2010 12:14 pm

    المبحث الثالث

    توحيد الربوبية:

    ومعنى توحيد الربوبية: هو الاعتقاد الجازم بأن الله جل جلاله رب كل شيء ومالكه وخالقه ومدبر أمره ورازقه وأنه وحده الذي ينفع ويضر ويحي ويميت وأنه سبحانه وحده المتصرف بهذا الكون وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع بيده الخير وإليه ترجع الأمور وهو على كل شيء قدير ، وهذا التوحيد لا يكفي العبد في حصول الإسلام، بل لا بد أن يأتِ مع ذلك بلا زمة من توحيد الإلهية، لأن الله تعالى حكى عن المشركين أنهم مقرون بهذا التوحيد لله وحده قال تعالى:" وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ" (الزمر، آية:38).
    وقال تعالى:" قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" (المؤمنون، آية:84 ـ 92).
    ـ وقال تعالى:" وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ" (يوسف ، آية : 106).
    وغير ذلك من الآيات من القرآن كثير مما يدل على اعترف الكفار بخالقهم وإقرارهم به ، وإنما عبدوا من دون الله ما عبدوا ليجعلوهم وسائط وشفعاء بينهم وبين الله، ومع ذلك يتخلون عنهم إذا نزلت بهم الشدائد ووقت الاضطرار، ومع هذا الإقرار فلم تغنى عنهم شيئاً ولم ينتفعوا به إذ لم يصبحوا به مسلمين ولم تعصم أموالهم ولا دماؤهم ولا أعراضهم، لأنهم أنكروا توحيد الألوهية، وأشركوا بربهم، ولم يلتزموا بلازم ما أقروا به إذ أن توحيد الربوبية يلزم منه توحيد الألوهية .
    وهو أفراد الله عز وجل بجميع أنواع العبادات، إن المؤمن يشعر بطمأنينة كبيرة وهو يتأمل في ملكوت الله تبارك وتعالى فيرى عظمة الله في خلقه وحكمته البالغة في تدبيره " أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (الملك ، آية : 22).
    والحديث عن عظمة الله يملاء القلب سكينة والتدبر في ملكوته يملءه إيمانا فحُق للشاعر أن يتسأل بعد جولة تأمل في مخلوقات الله سبحانه فقال:

    قل للوليد بكى وأجْهَشَ بالبكاء
    لدى الولادة ما الذي أبكاكا
    وإذا ترى الثعبان ينفُثُ سُمّه
    فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
    واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو
    تحيا وهذا السمُّ يملأُ فاكا
    واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
    شهْدا وقل للشهد من حلَّاكا
    بل سائل اللبن المصفّى كان
    بين دم وفرثِ ما الذي صفَّاكا
    واسأل شعاع الشمس يدنو وهي
    أبعد كل شيء ما الذي أدناكا
    يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي
    بالله جلّ جلاله أغراكا ؟

    إن المتأمُّل في خلق الله عز وجل وملكوته يقود إلى رسوخ الإيمان به سبحانه ولهذا قال تعالى:"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (آل عمران،آية:190، 191).
    فتأمَّل وسبحْ وتعبد لمن خلقك وذرأك وإليه المصير .
    إن من أبرز صفات الله عز وجل الدّالة على ربوبيته صفة الخلق وما تميزت به من اتقان وبديع صنع لا يكون إلا من رب العالمين، فالله عز وجل هو الذي خلق المخلوقات ومن عظيم إتقانه أن سن لها قوانين وسنناً ثابتة منها العام ومنها الخاص عليها مدار انضباطها، وهذه السنن لا يمكن إضافتها لغير الله سبحانه وتعالى، لأنه هو المتفرد بالربوبية وحده لا شريك له .
    فالسنن العامة تخضع لها جميع الكائنات في وجودها المادي وما يمر بها من حوادث مادية، كنمو الإنسان، وحركته ومرضه وما شابه ذلك، وما تقع من حوادث كونية، كنزول المطر وتعاقب الليل والنهار وغيرها من متعلقات الوجود المادي لمخلوقات الله عز وجل ولقد وجه الأنبياء والرسل أقوامهم إلى المشاهدة والنظر، والتأمل والتفكر في مثل هذه السنن التي تتضمن دلالات كبيرة على عظمة الخالق وحُسن تدبيره وبديع خلقه لأمره وتدبيره عز وجل وفق سننه ونظامه وقوانينه التي وضعه بقدرته وحده لا شريك له، ومن ذلك قول نوح عليه السلام لقومه قال تعالى:" أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا" (نوح ، آية : 15 ـ 20).
    وأما السنن الخاصة فهي تتعلق بخضوع البشر لها باعتبارهم أفراداً وأمماً وجماعات، خضوعاً يتعلق بتصرفاتهم وأفعالهم وسلوكهم في الحياة، وما يكونون عليه من أحوال وما يترتب على ذلك من نتائج كالسعادة والشقاء، والعز والذل، والقوّة والضعف، والنصر والهزيمة، ونحو ذلك من الأمور الاجتماعية في الدنيا وما يترتب عليها من جزاء في الآخرة سواء كان عذاباً أو نعيماً ومن ذلك قوله تعالى:" قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (الأعراف ، آية : 128)، أي الخاتمة المحمودة أو النهاية في الدنيا والآخرة لمن أتقى ، وكذلك ما ورد في القرآن حول غزوة أحد مثل قوله تعالى:"إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ" (آل عمران ، آية : 160). ومن هذه سمات هذه السنن بنوعيها الثبات والإطراد والعموم، قال تعالى:"وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا" (الأحزاب ، آية : 62)، أي لن تجد لها تحويلاً وتغييراً، بل هي ثابتة دائمة ، فما من نبي إلا أرشد قومه إلى هذه السنن بُغية توحيد الخالق، وخاصة النوع الثاني منها التي تتعلق بالأحوال الإجتماعية، ففي الاعتبار والاتعاظ بها تتحقق الاستقامة المطلوبة في سلوك البشر، وتتحقق الضوابط المرجوة في سبيل تحقيق العبودية الخالصة لله عز وجل، لذا كان من أهداف إيراد القصص في القرآن الكريم الاتعاظ بما جاء فيها من ذكر لهذه السنن، كسنة الأخذ بالأسباب، وسنة التدافع، وسنة الله في نصر المؤمنين، وسنة الله في الفتنة والابتلاء وسنة الله في الظلم والطغيان وغيرها.
    إن توحيد الربوبية هو أعظم برهان ودليل على توحيد الألوهية وهو بالنسبة له كالمقدمة بالنسبة للنتيجة، فمن أعتقد أن لهذا الكون العظيم الواسع خالقاً ومدبراً وقاهراً ومتصرفاً فيه، يفعل ما يشاء وله القدرة الكاملة على تبديله وتغييره وأنه الرازق لجميع المخلوقات بيده النفع والضر، ويمنع ويعطي،ويميت ويحي، وينجي عند الشدائد، والكربات ويجيب المضطر عند اضطراره، من اعتقد ذلك صدقاً تولد في قلبه حب ذلك الخالق العظيم، وهذه المحبة لابد أن تثمر خضوعاً وانكساراً وتذللاً، وانقياداً وطاعة وعبودية ورِقاً لمالك هذا الكون، وكثيراً ما يذكر الله سبحانه في كتابه الناس جميعهم بأنه هو المنعم عليهم والمتفضل عليهم بالخلق والرزق وجميع النعم، فيرشدهم بذلك لعبادته وحده لا شريك له ، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" (فاطر ، آية : 3).
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 101
    نقاط : 314
    تاريخ التسجيل : 01/11/2010
    العمر : 42

    الإيمان بالله جل جلاله  Empty رد: الإيمان بالله جل جلاله

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء نوفمبر 17, 2010 12:16 pm

    المبحث الرابع

    توحيد الأسماء والصفات

    ومعناه: الإيمان بما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من الأسماء الحسنى والصفات العلى، من غير تحريف ألفاظها أو معانيها، ولا تعطيلها بنفيها أو نفي بعضها عن الله عز وجل، ولا تكييفها بتحديد كُنهها، وإثبات كيفية معينة لها، ولا تشبيهها بصفات المخلوقين .
    أولاً: الأسس التي يقوم عليها توحيد الأسماء والصفات:
    إن توحيد الله سبحانه وتعالى في أسمائه وصفاته يتطلب التقيد في ذلك بكتاب ربنا وبسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم فلا نصنع له اسما او صفة ليست واردة في المنهلين ولا نشبه باحد من خلقه فهو سبحانه متصف بكل كمال منزه عن كل نقص :"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" (الشورى ، آية : 11).وعلى ذلك فيمكن أن نذكر هذه الاسس:
    1ـ أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية فلا نثبت لله تعالى ولا ننفي عنه إلا بدليل من الكتاب أو السنة إذ لا سبيل إلى سبيل ذلك إلا من هذا الطريق.
    2ـ وأن الإيمان بأن الله تعالى لا يشبه أحداً من خلقه في أسمائه ولا صفاته كما لا يشبهه أحد من خلقه، وإن سمى أو وصف أحداً من المخلوقين بتلك الأسماء والصفات فذلك اشتراك في اللفظ لا يوجب مماثلة المخلوقين له فيما دلت عليه هذه الأسماء والصفات، فأسماء الله تعالى وصفاته على ما يليق به سبحانه وتعالى وما يسمى به من المخلوقين أو يوصف من ذلك فعلى مايليق بالمخلوق نفسه، فكل ما يليق به قال تعالى:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" (الشورى،آية:11).
    3ـ وأن صفات الله كلها صفات كمال، فله سبحانه الكمال المطلق وهو المنزه عن كل نقص، ومما ينبغي معرفته في الإيمان بأسماء الله وصفاته أن يقطع الطمع في كيفيتها وألا يسأل عن ذلك، إذ لا يسأل عن صفات الله تعالى بكيف وأن يعلم مع ذلك ويعتقد أن هذه الصفات معلومة المعنى، فلم يخاطب الله تعالى عباده ويتعبدهم بأمور لا يعلمون معناها ولهذا قال الإمام مالك وغيره من علماء الأمة لمن سأل عن كيفية استواء الله تعالى على عرشه: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة . وقال ربيعة شيخ مالك قبله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا البيان .
    ثانياً: أدلة هذا النوع من التوحيد: لا تخلو سورة من سور القرآن الكريم من ذكر اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته ومن ذلك سورة الإخلاص فهي بكاملها عن أسماء الله وصفاته قال تعالى:" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ"(الإخلاص). ففي هذه السورة وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه أحد صمد، فهذان الوصفان يدلان اتصاف الله بغاية الكمال المطلق ، ومعنى الصمد: إنه المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد. وهذا المعنى يدل على الإثبات والتنزيه فالإثبات بوصفه سبحانه بأنه هو الذي يصمد إليه أي يرجع إليه في كل أمر وذلك لأنه هو المتصف بجميع صفات الكمال، فهو القادر على كل شيء والفعّال لما يريد والذي بيده الخلق والأمر والجزاء وما من قوة لغيره تعالى إلا بهيمنة منه إذا شاء أبقاها ومتى شاء سلبها فالمرجع والمراد إليه سبحانه . وأما التنزيه: فبوصفه تعالى بأنه غني عن كل شيء فلا افتقار فيه بوجه من الوجوه، لا في وجوده، فإنه الأول الذي ليس قبله شيء وهو الذي لم يلد ولم يولد ولا في بقائه فإنه الذي يُطعِم ولا يُطعَم ولا في أفعاله فلا شريك له ولا ظهير ، كما أن وصفه سبحانه بأنه أحد صمد يدل على اتصافه بالكمال المطلق فكذلك يدلان على معنى آخر وهو نفي الولادة والتوليد عن الله سبحانه قال تعالى:" قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ" (الأنعام ، آية : 14). وقال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" (الذاريات ، آية : 56، 57، 58).
    فإن الأحد هو الذي لا كفؤ له ولا نظير فيمتنع أن تكون له صاحبة ولا ولد قال تعالى:" بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (الأنعام ، آية :101).
    وفي هذا نفي عن المخلوقات مكافأته أو مماثلته للخالق ومثل ذلك قوله:" الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ" (الأنعام ، آية : 1)، أي يعدلون به غيره فيجعلون له من خلقه عدلاً ونظيراً ،ومثال هذا قوله تعالى:"رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" (مريم ، آية : 65). أي لا شيء يساميه لا ند ولا عدل ولا نظير له يساويه، فانكر التشبيه والتمثيل وبهذا يتبين لنا أن تنزيهه سبحانه عن العيوب والنقائص واجب لذاته كما دلت على ذلك سورة الإخلاص .
    ثالثاً: أسماء الله الحسنى: لربنا تبارك وتعالى أسماء سمّى بها نفسه منها ما أنزله في كتابه، كالأسماء الموجودة في القرآن ومنها ما علّمه الله تعالى بعض خلقه من الأنبياء والمرسلين أو الملائكة المقربين أو ما شاء الله تبارك وتعالى، ومن أسمائه سبحانه ما استأثر به في علم الغيب عنده فلا يعلمه أحد، وذلك أن لله تعالى من معاني العظمة ما لا تستطيع المخلوقات إدراكه، لأنه الإله الحق المبين، له الجمال المطلق، والكمال المطلق، والجلال المطلق، والعظمة التامة، والقدرة الكاملة، فلله تعالى أسماء وصفات لا يحيط بها إلا هو سبحانه وتعالى.
    1ـ أسماء الله تبارك وتعالى كثيرة،بل كما قال ربنا عز وجل:" قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا" (الكهف ، آية : 109)، وقال:"وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (لقمان ، آية : 27). فلله عز وجل من معاني الحمد والمجد، والكمال والعظمة والقوة والقدرة والسلطان ما لا يحيط به بشر، ولا يدركه عقل، ولا يقف عند منتهى كُنهه إدراك، وهذا الحديث لا يعني قصر الأسماء الحسنى على التسعة والتسعين، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح ـ الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ـ مناجياً وداعياً ربه تبارك وتعالى (اسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك .
    وذكر في حديث الشفاعة أنه يسجد صلى الله عليه وسلم تحت العرش، فيفتح الله عليه بمحامد يعلمّها له، لم يكن يعلمها من قبل .
    2ـ أسماء الله تبارك وتعالى توقيفية فلا يحق لأحد من الناس أن يخترع لله تعالى اسماً، وإنما أسماؤه سبحانه ما جاء في القرآن أو السنة بصفة الاسم، مثل، الخالق، البارئ، المصور، الملك، القدوس، السلام، العزيز، الحكيم، العليّ، العظيم، المؤمن، المهيمن.
    3ـ من اسماء الله الحسنى ما يختص به سبحانه، فلا يجوز أن يُسمَّى بها غيره وهي " الرَّحْمَـنَ" " اللّهَ " " قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ"(الإسراء ، آية 110)، ولهذا لا يتسمى أحد بهذين الاسمين من المخلوقين قط إلا قصمه الله تعالى، "فالله" و" الرَّحْمَـنَ" من الأسماء التي لا يُسمَّى بها أحد إلا الله عز وجل .
    4ـ من أسماء الله عز وجل ما يجوز أن يذكر وحده منفرداً، كالعزيز، والحميد، والحكيم، والرحيم، والعليم، والخبير، والبصير.. وما أشبه ذلك، فتناديه بها وتدعوه بها، وتعرفه سبحانه، ومن الاسماء ما لا يُذكر إلا مع نظيره، بأن تصف الله تبارك وتعالى بأنه هو "النافع الضار" أو "القابض الباسط" وما أشبه ذلك من الأسماء التي تكون متقابلة، فلو وصفت ربك تبارك وتعالى بأنه الضار فحسب، أو القابض فحسب لكان هذا مُوهِماً لمعنى لا يليق بمجد الله وكرمه وعظمته وكماله وقدسيته، لهذا لا تُذكر هذه الاسماء منفردة، وإنما تذكر مع نظيرها ومقابلها.
    5ـ معنى الإحصاء في قوله صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة: يشمل أموراً منها:
    أ ـ معرفة هذه الأسماء وحفظها، بحيث يستطيع الإنسان أن يعدها عداً، وقد اعتنى جماعة من أهل العلم بعدّ هذه الأسماء، كالزَّجَّاج وابن منده، وابن حزم وأبي حامد الغزالي وابن العربي والقرطبي، وغيرهم من المصنفين والعلماء الذين اعتنوا بذكر هذه الأسماء وتعدادها واستخراجها من القرآن والسنة النبوية الصحيحة، وهذا داخل في معنى إحصاء أسماء الله الحسنى، وفضل عظيم للإنسان أن يكون عنده إلمام ومعرفة بأسماء الله عز وجل، وأن يتلوها، وأن يدعو الله بها.
    ب ـ من معاني إحصائها، معرفة معانيها، فإن هذه الأسماء ليست أسماء رمزية ولا وهمية، ولا جامدة، ولا غامضة المعنى، وإنما هي بلسان عربي مبين، أُريد من الإنسان أن يتفهم معانيها، حتى تكون تلاوتنا لها ذات معنى وليس مجرد ترديد لألفاظ لا نفقه ما وراءها وهذا بحدّ ذاته، مكسب عظيم، يبارك النفس ويزكيها ويرتقي بالقلب والعقل والروح.
    ج ـ الإلحاح بالدعاء لله عز وجل بهذه الأسماء كما قال تعالى:" وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ" (الأعراف ، آية : 180).
    إن الله تبارك يجب أن يدعى بها ولهذا قيل:
    لا تسألنَّ بُنيّ آدم حاجة

    وسل الذي أبوابُه لا تُحجب

    الله يغضب إن تركت سؤاله

    وبُنيُّ آدم حين يُسألُ يغضبُ
    فندعو الله بأسمائه الحسنى باعتدال وذلك بأن تدعو الله تعالى وتسأله وترجوه فيما ألمَّ بك من أمر دنياك وآخرتك مما تحب وترجو، أو مما تخاف وتكره، أو تدعوه بهذه الأسماء باستحضار معانيها، وتأملها وتدبُّرِها والتعبد، بمقتضياتها، والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة والذكر والاستحضار .
    ح ـ استحضار معاني تلك الأسماء، فإن شر ما يُبتلى به الناس: الغفلة والاستغراق في ماديات الحياة والانسياق وراء صوارفها وخير دواء للقلوب هو استحضار عظمة علَّام الغيوب، والتدرج بالنفس في مراقي معرفته والإيمان به سبحانه، حتى تصل درجة: أن تعبد الله كأنك تراه ، فهذا يزيد المرء إقبالاً على الطاعة وحفاوة ونشاطاً، كما قال سبحانه: "الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ" (الشعراء آية: 218 ـ 219). كما أن استشعار معاني هذه الأسماء يزيد المؤمن إعراضاً عن المعصية وزهداً فيها وإسراعاً في الإقلاع عنها وقوة في التوبة والأوبة لما يحسُ به من وحشة القلب والبعد عن الرب، ولما يحاذره ويستشعره من غضبه أو عتبه أو مؤاخذته سبحانه للعبد على إقامته على الذنب .
    إن من خير ما تورثه تلك الأسماء الصفاء والسكينة والوئام، والإحجام عن الناس، والتواضع لذي الجلال، إلى سعة العقل والفهم والإدراك، ولعلّ من إحصائها ألا تتحول إلى مادة للخصام أو الجدل الأكاديمي، الذي لا يثمر معرفة قلبية، على أن البحث العلمي الهادي مطلب لا بدّ منه لمن أراد سلوك الطريق .

    رابعاً: الصفات الإلهية: تنقسم الصفات الإلهية إلى عقلية وخبرية وإلى ذاتية وفعلية اختيارية، فالصفات العقلية والخبرية جاء بها القرآن وتحدثت بها السنة.
    1ـ فالصفات العقلية: هي التي يمكن أن يستدل عليها بالعقل فطريق اثباتها السمع والبصر، كالعلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام والرحمة والحكمة والعلو ونحوها .
    2ـ والصفات الخبرية: وهي التي لا يستطيع العقل إدراكها من غير طريق النصوص، فطريق إثباتها ورود خبر الصادق بها فقط، وذلك كالوجه واليدين والعين، والاستواء على العرش ونحو ذلك ، فهذه الصفات الخبرية يجب، الإيمان بها كالعقلية من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ، قال تعالى:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" (الشورى ، آية : 11).
    3ـ صفات ذاتية: لا تنفك عنها الذات، بل هي لازمة لها أزلاً وأبداً وذلك كالحياة والعلم والقدرة والقوة والملك والعظمة والكبرياء والمجد والعلو والجلال والوجه وغيرها.
    4ـ صفات فعلية: تتعلق بها مشيئته وقدرته كل وقت وآن، وتحت مشيئته وقدرته آحاد تلك الصفات من الأفعال وإن كان هو سبحانه لم يزل موصوفاً بالفعل بمعنى أن نوع الأفعال قديم وأفرادها حادثة، فهو سبحانه لم يزل فعالاً لما يريد ولم يزل ولا يزال يقول ويتكلم ويخلق ويدبر الأمور، وأفعاله تقع شيئاً فشيئاً تبعاً لحكمته وإرادته، ومثل هذا الاستواء على العرش والمجيء والإتيان والنزول إلى السماء الدنيا والضحك والرضا والغضب والكراهية والمحبة والخلق والرزق والإحياء والأمانة وأنواع التدبير .
    وأفعاله سبحانه وتعالى منها اللازم ومنها المتعدي، فالاستواء والمجيء والنزول ونحو ذلك أفعال لازمة لا تتعدى إلى مفعول، بل هي قائمة بالفاعل، والخلق والرزق والأمانة والإحياء والإعطاء والمنع ونحو ذلك تتعدى إلى مفعول ، وقد جمع الله بينهما في قوله تعالى:" الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا" (الفرقان ، آية : 59)، فذكر الفعلين المتعدي واللازم وكلاهما حاصل بمشيئته وقدرته وهو متصف بها سبحانه، كما يجب التنبيه أيضاً إلى أن من صفاته سبحانه وتعالى ما يأتي: صفة ذات وصفة فعل وذلك مثل صفة الكلام، والخلق والرحمة .
    وقد دلت الآيات والأحاديث على اتصاف الله بالصفات الذاتية والفعلية، قال تعالى:" وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" (الرحمن ، آية : 27)، وقال تعالى:" وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ" (الأعراف ، آية : 11)، وقوله تعالى:"إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (آل عمران ، آية : 59)، وقال تعالى:" ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ" (محمد ، آية : 28)، وقال تعالى:" قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (آل عمران ، آية : 31)، وحديث أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة إلى أن قال.. فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك إلا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا فيقول آدم إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله . وعلينا اثبات جميع ما ورد به الكتاب والسنة من الصفات بلا تحريف ولا تعطيل وبلا تشبيه ولا تمثيل .
    أـ بعض الصفات الذاتية:
    ـ صفة الحياة: إن الله تعالى له الحياة الدائمة التامة التي لا يعتريها، نقص بوجه من الوجوه، ولهذا قال: " لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ". وصفة الحياة ثابتة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فالآيات منها قوله تعالى:" اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" (البقرة ، آية : 255)، وقوله تعالى:" هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ" (غافر ، آية : 65)، وقوله تعالى:" وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ" (الفرقان، آية : 58). وأما الأحاديث، فمنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم لك أسلمت، وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون . ومن معاني (الحي) أن حياته صفة ذاتية بخلاف المخلوقين، فإن حياتهم من فضل الله عز وجل عليهم ومعيشتهم من عطائه وجوده وكرمه، فالله تعالى متصف بالحياة وهي صفة لذاته جل وعلا. ومن معانيها أيضا أنه يمنح الحياة للأحياء في الدنيا، ويمنح أهل الجنة حياتهم الأبدية الأزلية السرمدية التي لا زوال لها، بل هي خلود أبدي بلا موت ولا فناء .
    صفة العلم: والعلم يقتضي نفي الجهل وعلمه سبحانه علم شامل كامل محيط بالماضي والحاضر والمستقبل، وعلم مطابق للواقع، قال تعالى: " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" (الملك ، آية : 14)،قال تعالى: " وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء" (البقرة ، آية : 255). وقال تعالى: "لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ" (النساء ، آية : 166).
    فالله سبحانه وتعالى أحاط بكل شئ علماً ووسع كل شئ رحمة وحكمة لا يخفي عليه شئ في الأرض ولا في السماء "وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ" (الأنعام ، آية : 59). وكما أن علمه لا يسبقه جهل فلا يلحقه نسيان " لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى" (طه ، آية 52). وقال تعالى " وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ" (الأعراف ، آية : 7)، وهو يعلم الدقائق والتفاصيل والظواهر والبواطن، والكليات والجزئيات، والمعاني والماديات، ولقد كتب مقادير كل شئ في كتاب عنده، ولذا يقول سبحانه: "وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" (الإسراء ، آية : 85).
    فهذا العلم يوجب الخشية منه وتعظيمه، ولذا قيل، من كان بالله أعرف كان منه أخوف. ويوجب مراقبته، لأنه كل شئ بعلمه وسمعه وبصره وتحت سلطانه.
    ويوجب محبته لأنه كمال العلم محبوب للنفوس الشريفة التواقة، ويوجب محبة العلم والسعي فيه وتحصيله والتلذذ به، لأن الله يحب العلم والعلماء ويكره الجهل والجهلاء ويوجب الصبر على التعلم وذله، لأنه عبادة، وكذلك علم الدنيا والكون والإنسان، وألوان المعارف الإنسانية هي محبوبة. وعلم الشريعة والوحي والآخرة محبوب، لأنه يثمر المعرفة به والقربى منه ومعرفة ما يريد وما يحب وما يكره سبحانه وتعالى، وكذلك علم الدنيا والكون والإنسان وألوان المعارف الإنسانية هي محبوبة لأنها تزيد العبد بصيرة بخلق الله وقدرته وحكمته وعظمته وتيسر الانتفاع بهذا الكون "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ" (الجاثية ، آية : 13).
    إن صفة العلم مستمدة من اسمه العليم، وهذا الإسم الشريف العظيم يولد في النفس تسليماً لما يفعله الله في كونه، وأنه بعلمه وإرادته وحكمته، فالحكمة هي العلم، والقدرة هي قرين العلم "وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" (التحريم ، آية : 2) " وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" (الروم ، آية 54)، فكل شئ بقدر وكل قدر بحكمة " مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (التغابن ، آية : 11).
    إن الإيمان بالرب (العليم) يجعل العبد أقرب إلى ربه وأكثر استشعاراً لمعيّته.
    قال الشاعر:
    هو العليم أحاط علماً بالذي
    في الكون من سر ومن إعلان
    وبكل شئ علمه سبحانه
    قاصي الأمور لديه قبل الداني
    لا جهل يسبق علمه كلا ولا
    ينسى كما الإنسان ذو نسيان

    صفة القدرة: القدير سبحانه هو كامل القدرة، فبقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبرها، وبقدرته سوّاها وأحكمها وبقدرته يحي ويميت ويبعث العباد للجزاء، وبقدرته سبحانه يقلب القلوب على ما يشاء ويريد . قال تعالى: " بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ" (القيامة ، آية : 4). وقال: "وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون". ومن السنة المطهرة حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك .
    صفة الإرادة: الإرادة والمشيئة بمعنى واحد فالإرادة التي تعنى المشيئة هي الإرادة الكونية وأما الإرادة الشرعية فتختلف عن الإرادة الكونية وسياتي الحديث عنها مفصلا بإذن الله لاحقا والآيات والأحاديث في بيانها كثيرة جداً منها قال تعالى: "مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (المائدة ، آية : 6)، وقوله سبحانه وتعالى: "يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة ، آية : 185). وأما الأحاديث فمنها حديث معاوية رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ".
    إثبات صفة السمع والبصر: والمعلوم والمقدر عند أهل السنة أن السميع لا يكون إلا بسمع والبصير لا يكون إلا ببصر كما لا يكون القدير والحكيم إلا بقدرة وحكمة . والآيات في إثبات صفتي السمع والبصر كثيرة، والأحاديث أيضاً، ولذلك سنستدل ببعض الآيات قال تعالى:" فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (غافر ، آية : 56)، وقال تعالى:"وكان الله سميعاً بصيراً".
    إثبات صفة الكلام: أهل السنة متفقون على أن الله يتكلم بمشيئته، وأنه لم يزل متكلماً إذا شاء وكيف شاء ، قال تعالى:"مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ" (البقرة ، آية : 253)، وقال تعالى:"وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" (النساء ، آية : 164). فلله عز وجل من صفاته صفة الكلام وهي صفة قائمة به غير بائنة عنه، لا إبتداءً لا تصافه بها ولا إنتهاءً، يتكلم بها بمشيئته واختياره وكلامه تعالى أحسن الكلام، ولا يشابه كلام المخلوقين، وإذا الخالق لا يقاس بالمخلوق ويكلم به من شاء وبغيرها ويسمعه على الحقيقة من شاء من ملائكته ورسله، ويسمعه عباده في الدار الآخرة بصوت نفسه، كما كلم موسى وناداه حين أتى الشجرة بصوت نفسه فسمعه موسى، كما أن كلامه تعالى لا يشبهه كلام المخلوقين فإن صوته لا يشبه أصواتهم وكلماته تعالى لا نهاية لها ومن كلامه القرآن والتوراة والإنجيل، فالقرآن كلامه، سوره وآياته وكلماته ، والقرآن الكريم غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود فهو كلام الله وحروفه ومعانيه، والدليل أنه من كلام الله قوله تعالى:" وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ" (التوبة ، الآية : 6).
    والقرآن منزل من عند الله تعالى:" تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ" (الفرقان ، الآية : 1) والقرآن غير مخلوق والدليل قوله تعالى:" أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ" (الأعراف، الآية: 54) فجعل الأمر غير الخلق والقرآن من الأمر لقوله تعالى:"وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا" (الشورى ، آية : 22)، وقوله:" ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ " (الطلاق ، آية : 5).
    علو الله على خلقه: إن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة الفقهاء وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين وجمع الله عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزاً في طباع الخلق أجمعين فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم وينتظرون مجيء الفرج من ربهم وينطقون ذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته أو مفتون بتقليده واتباعه على ضلالته ، قال تعالى:" تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ" (المعارج ، آية : 4)، وقال تعالى:" وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ " (الأنعام ، آية : 18)، وجميع معاني العلو ثابتة له سبحانه علو الذات، وعلو القدرة، وعلو القهر والغلبة، وعلو الحجة، فهو علو ذات وعلو صفات ولذا وصف نفسه بأنه " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (طه ، آية : 5)، فالعلو الكامل له وحده سبحانه، والعلو الدائم له وحده سبحانه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه . ومن علوه أن جعل الرفعة والعلو لكتابه ولدينه ولأوليائه الصادقين كما قال تعالى:" قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى" (طه ، آية : 68)، وقال:" وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ" (الزخرف ، آية :4) وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين . ومع علوه سبحانه فهو القريب مجيب سميع، ولذا يناديه العبد نداءً خفياً " إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا" (مريم ، آية :3). ويخبر عن نفسه أنه يسمع السر واخفى والسر ضد الجهر، وما هو أخفى من السر فهو الخطرات التي لا يعيها صاحبها، ولا يدركها، والمعاني المكنونة لا يحيط المرء بها حتى عن نفسه وذاته، فهناك عالم الأسرار وهناك عالم اللاشعور واللاوعي وهناك الخفايا الخلقية التي لم يصل إليها العلم، وهناك الخفايا المستقبلية، فهو مع علوه وإستوائه على عرشه محيط بذلك كله، لا تخفى عليه خافية ولذا سمَّي نفسه بذي المعارج"من الله ذي المعارج" وفسَّره بقوله:" تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ" (المعارج ، آية : 4) وذكر نزول الملائكة والروح ونزول الوحي، كما ذكر ارتفاع الأشياء وصعودها إليه" إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" (فاطر ، آية : 10) " بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ" (النساء ، آية : 158)
    قال الشاعر:
    إذا ضاقت بك الأحوال يوماً
    فثق بالواحد الصمد العليِّ
    إثبات صفة الوجه: نثبت لله صفة الوجه بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهو وجه يليق به سبحانه قال تعالى:" وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " (الرحمن ، آية : 27) وقال تعالى:" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (القصص ، آية : 88) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها .
    اثبات صفة اليدين: قال تعالى:" بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ" (المائدة ، آية : 64)، وقال تعالى:" مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" (سورة ص ، آية : 75).
    وقال صلى الله عليه وسلم: إن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين، والذين يعدلون في أهلهم، وحكمهم، وما ولوا .
    وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في صفة اليد الإفراد والتثنية والجمع ففي الإفراد مثل قوله تعالى:" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ" (الملك ، آية : 1)، وفي التثنية كقوله تعالى:" بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ" (المائدة ، آية :64)، وفي الجمع كقوله تعالى:" أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا" (يس ، آية : 71). والتوفيق بين هذه الوجوه أن نقول: الوجه الأول مفرد مضاف فيشمل كل ما ثبت لله من يد ولا ينافي الثنيتين وأما الجمع فهو للتعظيم لا لحقيقة العدد الذي هو ثلاثة فأكثر وحينئذ لا ينافي التثني على أنه قد قيل إن أقل الجمع اثنان، فإذا حمل الجمع على أقله فلا معارضة بينه وبين التثنية أصلاً .
    اثبات صفة العين: واثبات صفة العين على ما يليق بالله تعالى ولا يفهم منها أن العين لله جارحة كأعيننا بل له سبحانه وتعالى عين حقيقية تليق بعظمته وجلاله وقِدَمه وللمخلوق عين حقيقية تناسب حاله وحدوثه وضعفه وهذا شأن جميع الصفات التي فيها المشاركة اللفظية مع صفات المخلوق ، والعين صفة لله تعالى بلا كيف، وهي من الصفات الخبرية الذاتية قال تعالى:" وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي" (طه ، آية : 39)، وذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة فقط لأن المفرد المضاف يراد به أكثر من واحد مثل قوله تعالى:" وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا" (ابراهيم ، آية : 34)، وقال تعالى:" تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا" (القمر ، آية : 14)، وهنا ذكرت بصيغة الجمع مضافة إلى ضمير الجمع .
    اثبات صفة النفس: قال تعالى:" كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ " (الأنعام ، آية : 54)، وقال تعالى:" تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ" (المائدة ، آية : 116)، وقال صلى الله عليه وسلم: يقول انا مع عبدي حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم . فالله جلّا وعلا أثبت في كتابه أن له نفساً وكذلك قد بين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن له نفساً كما أثبت النفس في كتابه، ونثبتها له على الوجه اللائق به .
    بـ بعض الصفات الخبرية:
    إثبات إستواء الله على عرشه:قال تعالى:" إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (الاعراف ، آية : 54)، وقال تعالى:" وَتَوَكَّلْ
    عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا*الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " (الفرقان ، آية : 58 ، 59).
    ويجب اثبات استواء الله على عرشه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو استواء حقيقي معناه العلو والاستقرار على وجه يليق بالله تعالى . ولما سئل مالك بن أنس عن قوله :" الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (طه ، آية : 5)، قال الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالاً وأمر أن يخرج السائل من المجلس . وأكثر من صرح بأن الله مستو بذاته على عرشه أئمة المالكية، فصرح أبو محمد بن أبي يزيد في ثلاثة مواضع من كتبه أشهرها الرسالة، وفي كتاب جامع النوادر وفي كتاب الآداب، وصرح بذلك القاضي أبو بكر الباقلاني وكان مالكياً وصرح به أبو عبد الله القرطبي في كتاب الأسماء الحسنى وكذلك أبو عمر بن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الأندليسيين وغير ذلك من السادة المالكية .
    إن كتاب الله عز وجل من أوله إلى آخره وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعامة الصحابة والتابعين وكلام سائر الأئمة، مملوء بما هو نص أو ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى فوق كل شئ وأنه فوق العرش وفوق السماوات مستوٍ على عرشه .
    صفة المجئ: قال تعالى: " وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا" (الفجر ، آية : 22)، قال تعالى: " هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ" (البقرة ، آية : 210). ويجب إثبات المجئ من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل وهو مجئ حقيقة يليق بالله تعالى .
    صفة الرضا: قال تعالى: " رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ" (المائدة ، آية : 119).
    صفة المحبة: قال تعالى: " فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" (المائدة ، آية : 54).
    صفة الغضب: قال تعالى: " وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ" (النساء ، آية : 93).
    صفة السخط: قال تعالى: " ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ" (محمد ، آية : 28).
    صفة الكراهة: قال تعالى: " وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ " (التوبة ، آية : 46).
    فصفة الرضا، والمحبة والغضب والسخط والكراهة صفات ثابتة لله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فهي على ما يليق به عز وجل، وكذلك صفة الغيرة، والفرح والضحك، فقد جاء ذكرها في أحاديث نبوية صحيحة.
    ج ـ بعض الصفات التي تطلق في باب المقابلة: ورد في القرآن الكريم أفعال أطلقها الله عز وجل على نفسه على سبيل الجزاء والعدل والمقابلة وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال ولكن لا يجوز أن يشتق لله تعالى منها أسماء، ولا تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من الآيات كقوله تعالى: " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ" (البقرة ، آية : 142)، وقال تعالى: " وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ" (آل عمران ، آية : 54)، وقوله تعالى: " نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ" (التوبة ، آية : 67). وقال تعالى: " وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ *اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ" (البقرة ، آية: 14 ـ 15). فلا يطلق على الله لفظ مخادعٍ، ماكرٍ، ناسٍ، مستهزئٍ، ونحو ذلك تعالى الله عنه علواً كبيراً، ولا يقال: الله يستهزئ ويخادع ويمكر، وينسى على سبيل الإطلاق، وقد أخطأ الذين عدوا ذلك من أسمائه الحسنى خطأً كبيراً، لأن الخداع والمكر يكون مدحاً ويكون ذماً، فلا يجوز أن يطلق على الله إلا مقيداً بما يزيل الاحتمال المذموم منه كما ورد مقيداً في الآيات .
    س ـ الله ينزه عن كل صفة نقص: ينزه الله عز وجل عن الغفلة والنسيان بأي وجه من الوجوه، لأنه عالم الغيب والشهادة وعلمه محيط بكل شئ، فلا يعرض له ما يعرض لعلم المخلوق من خطأ بعض المعلومات أو نسيانها والذهول عنها، قال تعالى: " عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى" (طه ، آية : 52)، ومنزه عن الاحتياج إلى الرزق والطعام لأنه هو الرزاق لجميع الخلق الغني عنهم وكلهم فقراء إليه، قال تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" (الذاريات ، آية : 56 ـ 57 ـ 58). وقوله تعالى: " وَهُوَ يُطْعِمُ ولا يُطعَمُ" (الأنعام ، آية : 14)، والله منزه عن الظلم للعباد بأن يزيد في سيئاتهم أو ينقص من حسناتهم أو يعاقبهم على ما لم يفعلوا، فإن الظلم لا يفعله إلا من هو محتاج إليه أو من هو موصوف بالجور، أما الله الغني عن خلقه من جميع الوجوه الحكم العدل الحميد، فما له وظلم العباد؟ قال تعالى:" وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ" (فصلت، آية: 46)، ووالله منزه عن العبث في الخلق والأمر فلم يخلق سبحانه وتعالى شيئاً عبثاً ولا باطلاً، ولا شرع إلا حكمة عظيمة لأنه حكيم حميد، فمن تمام حكمته وحمده اتقان المصنوعات وإحكامها وإحكام الشرائع على أكمل وجه وأتمه .
    4 ـ صفات الله كلها صفات كمال: لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة، والعلم والقدرة والسمع والبصر، والرحمة والعزة والحكمة والعلو والعظمة وغير ذلك، ولله عز وجل المثل الأعلى قال تعالى:" لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (النحل ، آية : 60)، وقال تعالى:" وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " (الروم ، آية : 27)، والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى إن الخلق مضطرون على كون الخالق سبحانه وتعالى أجل وأكبر وأعلى وأعلم وأعظم وأكمل من كل شيء فهذا مستقر في فطر الناس وهو ضروري في حق من سلمت فطرته، فدلالة الفطرة على الصفات واضحة وبينة فإن كل حادث لابد له من محدث، وهذا المحدث لابد أن يكون قادراً، عالماً، مريداً، حكيماً، فالفعل يستلزم القدرة، والاحكام يستلزم العلم، والتخصيص يستلزم الإرادة، وحسن العاقبة يستلزم الحكمة وفي الفطرة الإقرار لله تعالى بالكمال المطلق، والذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وكذلك في الفطرة تنزيه الله عن النقائص والعيوب، ومن القضايا البديهية المستقرة في الفطرة أن الذي يعلم والذي يقدر والذي يتكلم ويبصر أكمل من العادم لذلك، ولهذا يذكر الله تعالى هذه المسألة بخطاب الإستفهام الإنكاري ليبين أنها مستقرة في الفطرة وأن النافي لها قال قولاً منكراً في الفطرة، قال تعالى:" أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ" (النحل ، آية : 17). فالتسوية منكرة في الفطرة وينكر ذلك على من سوى بينهما، فالذي ليست لديه صفات كمال، لا يمكن أن يكون رباً، ولا معبوداً، وأن العلم بذلك فطري ،كما قال الخليل قال تعالى:" يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا" (مريم ، آية : 42)، وقال تعالى عن عجل بني إسرائيل:" أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ" (الأعراف ، آية : 148).


    5ـ من لوازم استحقاق الله تعالى لصفات الكمال تفرده بالحكم
    فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله:" وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" (الشورى ، آية : 10)، ثم قال مبيناً صفات من له الحكم:" ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ *فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ*لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " (الشورى ، آية : 10، 11، 12).
    ذكر سبحانه وتعالى صفات الرب الذي تفوض إليه الإمور ويتوكل عليه، وإنه فاطر السموات والأرض وخالقها، على غير مثال سابق، وأنه هو الذي خلق للبشر أزواجاً خلق لهم أزواج الأنعام الثمانية المذكورة . وإنه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
    وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " وإنه:" لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" (الشورى ، آية : 12)، وأنه سبحانه وتعالى:" يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ" (الشورى ، آية : 12)، ويقدر أي بمعنى يضيقه على من يشاء وهو بكل شيء عليم، فعلى المسلم أن يتفقه صفات من يستحق أن يشرع ويحلل ويحرم .
    6ـ نفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها: ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد قال تعالى:" وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" (الأعراف ، آية : 180).
    لأنها لو لم تكن تدل على معاني وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها ولكن الله أخبر عن نفسه، بمصادرها، وأثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى:" إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" (الذاريات ، آية : 58)، فعلم أن "القوي" من أسمائه، ومعناه الموصوف بالقوة. وكذلك قوله تعالى:" فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا " (فاطر ، آية : 10)، فالعزيز من له العزة، فلولا ثبوت القوة والعزة له لم يسم قوياً ولا عزيزاً وهكذا في سائر أسمائه، وحقيقة الإلحاد فيها أي في أسمائه تعالى العدول فيها عن الصواب فيها وإدخال ما ليس من معانيها عنها:
    ـ أن تسمى بعض المعبودات باسم من أسماء الله تعالى أو يقتبس لها اسم من بعض أسمائه تعالى، كتسمية المشركين بعض أصنامهم "اللات" أخذاً من "الإله" و"العزى" أخذاً من "العزيز" وتسميتهم الأصنام أحياناً "آلهة" وهذا إلحاد واضح كما ترى لأنهم عدلوا بأسمائه تعالى إلى معبوداتهم الباطلة .
    ــ تسميته تعالى بما لا يليق به، كتسمية النصارى له (أب)، وإطلاق الفلاسفة عليه "موجباً لذاته" أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك.
    ـ وصف الله تعالى بما ينزه عنه سبحانه، كقول اليهود ولعنوا بما قالوا، إنه فقير وقولهم أنه استراح وبعد أن خلق خلقه، وقولهم أيضاَ غلت أيديهم، يد الله مغلولة، وغير ذلك من الألفاظ التي يطلقها أعداء الله قديماً وحديثاً.
    ـ تعطيل أسمائه تعالى عن معانيها وهي الصفات وجحد حقائقها، كما فعلت بعض الفرق المبتدعة حيث جعلوا أسماء الله ألفاظاً مجردة لا تدل على الصفات، كقولهم سميع بلا سمع، وعليم بلا علم.
    ـ تشبيه الله تعالى بصفات خلقه .
    7 ـ آثار الصفات الإلهية في النفس والكون والحياة: ومشهد الأسماء والصفات من أجل المشاهد، والمطلع على هذا المشهد يعرف أن الوجود متعلق خلقاً وأمراً بالأسماء الحسنى والصفات العلا، ومرتبط بها وإن كل ما في العالم بما فيه من بعض آثارها ومقتضياتها.
    فإسمه الحميد، المجيد، يمنع ترك الإنسان سدى، مهملاً معطلاً، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب، وكذلك اسمه(الحكيم) يأبى ذلك، وهكذا فكل اسم من أسمائه له موجبات وله صفات، فلا ينبغي تعطيلها عن كمالها ومقتضياتها، والرب تعالى يحب ذاته وأوصافه وأسماؤه، فهو عفو يحب العفو، ويحب المغفرة، ويحب التوبة، ويفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه فرحاً لا يخطر بالبال، وكان تقدير ما يغفره ويعفو عن فاعله، ويحلم عنه ويتوب عليه ويسامحه بموجب أسمائه وصفاته، وحصول ما يحبه ويرضاه من ذلك، وما يحمد به نفسه ويحمده به أهل سماواته وأهل أرضه، وما هو من موجبات كماله ومقتضى حمده وهو سبحانه الحميد المجيد، وحمده ومجده يقتضيان آثارهما.
    ومن آثارهما، مغفرة الزلات وإقالة العثرات، والعفو عن السيئات والمسامحة على الجنايات مع كمال القدرة على استيفاء الحق، والعلم منه سبحانه بالجناية ومقدار عقوبتها فحلمه بعد علمه وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن كمال عزته وحكمته . كما قال الله على لسان عيسى عليه السلام في القرآن:" إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (المائدة ، آية : 118). أي فمغفرتك عن كمال قدرتك، وحكمتك ليست كمن يغفر عجزاً ويسامح جهلاً بقدر الحق، بل أنت عليم بحقك، قادر على استيفائه حكيم في الأخذ منه، فمن تأمل سريان آثار الأسماء والصفات في العالم وفي الأمر، تبين له إن مصدر قضاء هذه الجنايات من العبيد، وتقديرها: هو من كمال الأسماء والصفات والأفعال وغايتها أيضاً مقتضى حمده ومجده، كما هو مقتضى ربوبيته وإلهيته فلله في كل ما قضاه وقدره الحكمة البالغة والآيات الباهرة والله سبحانه دعا عباده إلى معرفته بأسمائه وصفاته وأمرهم بشكره ومحبته وذكره وتعبدهم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى لأن كل اسم له تعبد مختص به، علماً ومعرفة وحالاً وأكمل الناس عبودية: المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر فلا يحجبه عبودية اسم عن اسم آخر، كما لا يحجبه التعبد باسمه "القدير" عن التعبد باسمه "الحليم الرحيم" أو يحجبه عبودية اسمه "المعطي" عن عبودية اسمه "المانع" أو عبودية اسمه "الرحيم والعفو والغفور" عن اسم "المنتقم" أو التعبد بأسماء "البر والإحسان واللطيف" عن أسماء "العدل والجبروت والعظمة والكبرياء" وهذه طريقة الكمال من السائرين إلى الله وهي طريقة مشتقة من قلب القرآن الكريم قال تعالى:" وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ" (الأعراف ، آية : 180). والدعاء بها يتناول دعاء المسألة ودعاء الثناء، ودعاء التعبد . وهو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته ويثنوا عليه بها ويأخذوا بحظهم من عبوديتها، فالله سبحانه وتعالى يُحب موجب أسمائه وصفاته، فهو "عليم" يحب كل عليم وهو "جَوَادٌ" يحب كل جواد، "وتر" يحب الوتر "جميل" يحب الجمال، "عفو" يحب العفو وأهله "حيي" يحب الحياء وأهله "بر" يحب الأبرار "شكور" يحب الشاكرين "صبور" يحب الصابرين "حليم" يحب أهل الحلم، فلمحبته سبحانه للتوبة والمغفرة، والعفو والصفح. خلق من يغفر لهم ويتوب عليهم ويعفو عنهم، وقدر عليهم ما يقتضي وقوع المكروه والمبغوض له، ليترتب عليه المحبوب له المرضي له ، وظهور أسماء الله وصفاته في هذه الحياة وفي النف
    sarakoki
    sarakoki


    عدد المساهمات : 15
    نقاط : 15
    تاريخ التسجيل : 18/12/2010

    الإيمان بالله جل جلاله  Empty رد: الإيمان بالله جل جلاله

    مُساهمة من طرف sarakoki السبت أكتوبر 15, 2011 10:31 am


    اسال الله الذى جمعنا فى دنيا فانيه ان يجمعنا ثانيه فى جنه قطوفها دانيه وجزائك الله كل خير شكرا

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء سبتمبر 17, 2024 4:36 am